الخميس، 2 مارس 2023

قصة صورة: رغم الظلام…

أحببت في هذا المقال أن أتحدث عن صورة قمت بـ«صنعها» مؤخرا بمناسبة شهر التوعية (فبراير) بمرض تلف الشبكية الصباغي (Retinitis Pigmentosa)، والذي أعاني منه شخصيا. تحدثت من قبل على هذه المدونة عن بعض الصور في السابق وكيفية التقاطها وكذلك عن هذا الحدث التوعوي (لمرة واحدة على الأقل). ولأني لم أنشر مقالة على هذه المدونة لبعض الوقت، أخترت أن أتحدث عن هذه الصورة وإن لم يكن هذا هو الديدن على هذه المقالة، فغالبا ما أركز على المقالات التقنية وأحيانا الفنية، ولا أتحدث عن خطوات التقاط الصور من هذا النوع إلا ما نَدُر.

ذكرت في المقدمة أنني «صنعت» الصورة وهو تعبير حرفي حيث أن الصورة موضع الحديث ليست صورة واحدة في الحقيقة ولكنها مكونة من عدة صور تم دمجها معا. ولهذا يمكن القول أنها «صُنعت» ولم «تُلتقط». ولنتدرج في الحديث لنرى كيف بدأت الفكرة.


الفكرة

لم تكن الفكرة متوفرة منذ البداية، والحقيقة أني كنت غافلا عن تتبع التاريخ حتى أني لم أتنبه لدخول شهر فبراير إلا بعد انقضاء ما يقارب الأسبوع منه. مرت الأيام دون إلهام يُذكر أو بال يُخطر فلم أنفّذ ولم أحاول القيام بأي شيء ولو على سبيل التجربة. لتنشيط التفكير والمساعدة على استجلاب الإلهام، قمت ببعض عمليات «العصف الذهني» على أحد المواقع والتي يتم فيها توليد كلمة أو صورة عشوائية في محاولة لاستنباط فكرة ما من هذه العشوائية، إلا أن محاولاتي باءت بالفشل حتى في هذه.


 وأخيرا تولدت الفكرة
(أو بداياتها) في أحد الأيام حينما كانت العائلة تستعد لعمل حفلة شواء صغيرة في الخارج، وقد بدأت الفكرة أولا من تصوير الفناء من الأعلى (بالمحمول) من الشرفة. كان هناك كيسا من الفحم وقد بدأت تتوالى الصور في مخيلتي: فحم ← أسود ← عتمة ← ظلام؛ فكان الأمر كأنه إشارة. فالظلام وهذا المرض توأم لا ينفصل. وقادتني البديهة إلى تخيل عين تنظر خلال هذا الظلام باحثة عن أمل ما يؤدي إلى النور. وهكذا تولدت الفكرة الأولية لهذه الصورة وجاء الآن وقت العمل (والذي تأخر أيضا لبعض الوقت لعدة أسباب).

كانت الفكرة الأولية هو تصوير عين ناظرة خلال السواد والعتمة، وقد كانت الفكرة الأولية تحتم التقاط الصورة بحذافيرها؛ أي صورة حقيقية تتركب من عين (عيني) ناظرة خلال العتمة، والتي سيلعب دوره الفحم هنا – كل هذا في لقطة واحدة حقيقية غير مركبة. ولكن تسير الرياح بما لا تشتهي السفن، كما سنرى.


العمل

كما ذكرت آنفا، فإن الفكرة كانت لالتقاط صورة حقيقية بكل عناصرها، العين، والفحم. لذلك فقد قمت بتجهيز لوح شفاف من الأكريليك وحاولت جاهدا تكسير بعض قطع الفحم عليه وبعثرتها بشكل دائري تقريبا. لكن بدأت تظهر المشاكل رويدا، فلا أدوات مناسبة لهذا العمل ولا مكان مناسب للعمل سوى في الخارج، ولم اهتدي إلى طريق لتثبيت الفحم على اللوح، حتى أنني فكرت بالتقاط الصورة بشكل أفقي (أي أن يكون اللوح مستويا بشكل أفقي ومن فوقه الفحم والتمدد من تحته للنظر من خلال الفحم). لكن الكلام عن هذه الطريقة أسهل من العمل بها. بالإضافة إلى كل هذه الفوضى الفكرية، أضاف موضوع الإضاءة بعدا آخرا للمشاكل حيث أن الفكرة الاولية كانت استخدام الومّاض جانبيا لتبيان قوام الفحم، ولفعل هذا يجب التحكم بالومّاض لاسلكيا، وتباعا يتوجب العمل مساءً بُعيد غروب الشمس لأن الشمس تشوش على إرسال الأشعة تحت الحمراء من الكاميرا إلى الومّاضات (فأنا استخدم الأنظمة القديمة والومّاضات القديمة التي تعمل لاسلكيا بالأشعة تحت الحمراء لا بالإرسال الموجي أو الراديوي) ولن تعمل الومّاضات في وضح النهار. وزاد الطين بلة عندما هطلت الأمطار بين الفينة والفينة لما يقارب الثلاثة أيام. دفعني جمع الظروف هذا إلى الاستسلام للأمر الواقع والعمل بسرعة وعدم تضييع المزيد من الوقت، وهكذا آثرت العمل على تجميع الصور بدلا من تصوير الكل في صورة واحدة. ولكن عليّ أولا تحديد نوع الإضاءة مسبقا حيث يجب مراعاة نوع واتجاه الإضاءة لجميع عناصر الصورة عند التقاط كل منها على حدة.

ناشر ضوء حلقي
Roundflash

فيما يتعلق بنوع الإضاءة فقد آثرت هنا العمل السريع (نوعا ما) بعكس ما كنت قد خططت له في البداية. لذا، قد اخترت معدلا للضوء لم استخدمه كثيرا في السابق، ويسمى (Roundflash) – وربما كان هذا اسم المنتج أو الشركة المنتجة. النكتة هنا هي أن هذا المنتج كنت قد ابتعته منذ سنوات مضت كأحد الحلول الرخيصة لتطويع إضاءة الومّاض العادي للتصوير المجهري، ولكنه كان غير صالحا لذاك العمل بتاتا، وهو الآن موجود في بعض المواقع المتخصصة في بيع أدوات التصوير تحت مسمى «مُبَعْثِر» أو «ناشر» (Diffuser) للضوء دون ذكر التصوير المجهري؛ يبدو أن المصنعين قد أيقنوا عدم صلاحه لذاك النوع من الأعمال. على أية حال، لاستخدام هذا النوع من النواشر، فإن الومّاض يجب أن يكون متصلا بالكاميرا مباشرة (كما هو واضح في الصورة) حيث تمر العدسة في منتصف الناشر، وهكذا تكون الإضاءة العامة عند التصوير ذات مجال دائري ومبعثرَة للنعومة. بيد أن التصوير سيكون فوق لوح الأكريليك بزاوية 90 درجة تقريبا وهكذا كنت أعوّل على مهارات التحرير الرقمي لتبيان وإيضاح بعض معالم سطح الفحم. للاحتياط، قمت بالتقاط ما يقارب 8 صور للوح الأكريليك مع الفحم مع بعض التغييرات الطفيفة بين صورة وأخرى، وقد كان الهدف الأولي هو اختيار صورة واحدة من هذا الجمع، ولكن كالعادة، تغير هذا الأمر لاحقا كما سنرى في مرحلة تحرير وتعديل الصور.

كان ذلك فيما يتعلق بتصوير الفحم أو عنصر الظلمة في الصورة، فكان بعد ذلك وقت التقاط صورة العين. وكما ذكرت آنفا، يجب أن يتم التقاط الصورة بنفس مصدر الضوء واتجاهه قدر الإمكان. وعلى عكس الحالة مع صورة لوح الأكريليك المغطى بالفحم، فإن التقاط صورة للعين (عيني) يتطلب تثبيت الكاميرا على الحامل، مع الناشر الحَلَقي. لم يكن الأمر سهلا لأن قطر الناشر وحجمه بشكل عام كانا يعوقان تثبيت الكاميرا (كانت حافة الناشر تصطدم بأرجل الحامل). بعد معاناة بسيطة، قمت بتثبيت الكاميرا بشكل مقبول إلى حد ما، وانتقلتُ إلى التحدي اللاحق، وهو التقاط الصورة.

لم تكن تلك هي المرة الأولى لالتقاط صورة شخصية لوجهي أو لعيني ولكن هذه المرة كان هناك بعض التحدي لأن العدسة المستخدمة هي عدسة 50مم (وهي التي استخدمتها آنفا لالتقاط صور لوح الأكريليك المتعددة). اخترت هذه العدسة بالذات لأنها تحاكي تقريبا النظر البشري ولا تُظهر أي تشوهات تقريبا (ولهذا تسمى أحيانا بالعدسة الطبيعية Normal Lens). إحدى معوقات هذه العدسة في تصوير مواضيع من هذا النوع هي مسافة التركيز الدنيا (والمساوية لـ 40سم) وعليه فإن العين ومحيطها سيدخلان في الصورة، وهو ما لم أريده لأن ذلك سيكون على حساب التفاصيل الدقيقة للعين ذاتها. وهكذا، قررت استخدام بعض الأنابيب المُفرَغة والتي تستخدم لكسر حاجز أدنى مسافة للتركيز (وللتصوير المجهري إلى حد ما). ولم يكن من السهل ضبط منطقة التركيز وتحريك العين في مجال العدسة ولذا فقد قررت الاستعانة بأخي ليرشدني وليلتقط الصورة (شاكرا له).
عند هذا الحد تجمعت العناصر، ويجب الآن العمل على تركيبها
.

للمقارنة: صورة بعدسة 50مم فقط (يمين) وبعدسة 50مم بالإضافة إلى أنبوب مُفرَغ بطول 12مم (يسار). الصورة الأولى غير واضحة لأنها كانت إحدى صور الاختبار والمعاينة ولكن يبدو الفرق بين الصورتين في المساحة الداخلة بالصورة (دون قطع أو تعديل أي منهما).


التحرير

في هذا المقام لن أتطرق إلى التفاصيل ولكن سأتعرّض للحديث عن الإجراءات التي قمت بها في بشكل عام، فهذه المقالة أولا وأخيرا ليست من باب الدرس ولكن للحديث عن قصة صورة. لذا، لن أخوض بتفاصيل تحرير الصور ولكن سأحاول الإيجاز قدر المستطاع. وللإيجاز، فمن الأفضل توضيح الأمور بنقاط:

1- قمت أولا باستعراض صور الفحم وعملت على تحريرها وتعديلها بذات المقادير (عن طريق خيار المواءمة).

سرد لجمع الصور الملتقطة للفحم. ولربما كان من الأفضل استخدام الورق المقوى الأبيض بدلا من الأكريليك في هذا العمل ولكن لم أكن أعلم مسبقا إلامَ ستؤول إليه الأمور!
 
2- قمت بتكديس جميع هذه الصور فوق بعضها البعض ودمجها كـ «موضوع/جسم ذكي
مجموعة الطبقات المستعملة
في هذا العمل (أنقر للتكبير)
» (Smart Object)
وتغيير نمط التكديس – وسآتي على شرح سبب هذه الخطوة لاحقا.

3- لصق صورة العين (بعد تعديلها بالمقدار المناسب) مع البقية.

أما باقي خطوات العمل فلا يسع المقام لذكرها فهي كثيرة، ونلاحظ أن لون الفحم قد أزداد خضرة بدل السواد وكنت قد نويت قلب اللون إلى الأسود فعلا ولكن بسبب درجات اللون الأحمر في العين فقد يكون من الأنسب البقاء على هذا اللون الأخضر لاتزان الألوان، ولكن قمت بتقليل تشبعه.

أما السبب في الخطوة الثانية، فقد كانت الفكرة هي تبني صورة واحدة للعمل فقط، ولكن عند رؤية الصور جميعها ظننت أنه من الأفضل دمجها لصنع صورة واحدة مع تغيير التكديس إلى «معدل» أو «وسيط»، وبهذه الطريقة يمكن زيادة نسيج الفحم (نظريا) وزيادة العشوائية في المنظر الخارجي لهذه الطبقة.

الصورة النهائية: Despite The Darkness (رغم الظلام)


الخاتمة

بهذا المختصر انتهت قصة صنع صورة «رغم الظلام» والتي أعبّر (أو آمل أن أعبّر) فيها عن ذاك البصيص من الأمل مع هذا المرض وتعقيدات الحياة الأخرى. لم أشأ الإطالة هنا في الحديث عن التعديلات وأساليب التحرير فهذه المقالة ليست تقنية أو لتعليم تقنية ما في برنامج الفوتوشوب، لكنما مجرد سرد لقصة صورة وكيفية صنعها. قد لا ينظر البعض إلى هذا العمل كونه صورة بل كـ «تصميم» - فليكن. ومع الأسف، فإن هناك بعض الأشخاص (ومنهم مصورون) الذين يقللون من مقدار العمل الفني لكونه «تصميما» وليس متكونا من صورة واحدة حقيقية، بل إن بعضهم قد يذهب إلى التقليل من شأن بعض الصور لمجرد تحريرها وتعديلها بأي طريقة كانت في برنامج الفوتوشوب واعتبارها أنها ليست صورة حقيقية والصورة الحقيقية يجب صنعها بالكاميرا وقت التقاط الصورة. ويبدو أن تلك المجموعة من البشر قد نسوا أو تناسوا بأن التعديل والتحرير كان موجودا قِبَلا في عالم الأفلام وغرف التحميض المظلمة وليس بالشيء الجديد؛ فكل ما فعله برنامج الفوتوشوب هو التخلي عن المواد الكيميائية الخطرة في تلك العمليات واستبدالها ببعض مساطر التغيير بكل رقمي، لا أكثر ولا أقل. أرجو إن كان القارئ العزيز من تلك المجموعة من الناس أن يغير نظرته للفن وإتاحة المجال للتفكير في التعبير الفني بدلا من التزمّت بأمور لا تقدم ولا تؤخر، لا سيما عند التعبير عن شيء ما بالفن.

كما رأينا في هذه المقالة، فقد كانت الفكرة فعليا هي التقاط صورة واحدة ولكن الظروف والوقت المحدود للعمل دفعت إلى العمل على تركيب وصنع الصورة بدلا من التقاطها في صورة واحدة، ولم أكن لأدع الفكرة تذهب سدى لا سيما لأمر اعتبره شخصيا. لذا، فأنا أحث عزيزي القارئ على صنع الصورة وتركيبها إذا ما ضاقت به السبل ولم تتوفر الأدوات اللازمة أو الظروف للعمل؛ فالفكرة وانتاجها أهم مما قد يعتقده البعض بشأن أصالة الصورة. هذا، وحتى نلتقي في مقالة جديدة إن شاء الله…


 

الجمعة، 30 ديسمبر 2022

وداعًا 2022…


أحببت في نهاية هذه السنة أن أكتب مقالة أخيرة مباركًا لجميع القرّاء نهاية هذا العام وحلول عام جديد قريبًا. حاولت في هذا العام أن أكتب مقالات أكثر لهذه المدونة ولكن لا يبدو أني قد وُفّقت لذلك، ولكنّي أرجو أن تكون المقالات البسيطة والمعدودة التي كُتبت خلال عام 2022 قد أفادت زائري هذه المدونة ولو باليسير.
ولهذه المناسبة، وبعد التبريكات، أحببت أن أشارك هذا المقطع والذي يتضمن بعضا مما تم تصويره خلال هذا العام بعدستي، منها ما كان بكاميرتي (كانون 7د) ومنها ما كان بعدسة الهاتف (هواوي)، وقد تم نشر الكثير منها على صفحات وسائل التواصل الاجتماعي. بالطبع ليست هذه جميع الصور التي تم تصويرها خلال العام، بل أن هناك الكثير من «الأعمال الفنية» التي قمت باختلاقها من صور قديمة وما إلى ذلك، ولكنّي آثرت في هذا المقطع أن أضع الصور المُلتقَطة خلال هذا العام فقط؛ وكل عام وأنتم بخير وأتمنى لكم مشاهدة ممتعة، وحتى نلتقي في مقالة جديدة إن شاء الله…
 

يمكن تكبير شاشة العرض بالنقر على زر التكبير في الزاوية اليمنى السفلى

الخميس، 24 نوفمبر 2022

الدقة الفائقة (Super-Resolution, SR)…


مر بعض الوقت منذ آخر مقالة على هذه المدونة وقد كنت في هذه الفترة أبحث عن مواضيع مختلفة للكتابة، علاوة على بعض الأمور الشخصية التي عطلتني عن الكتابة كذلك.

في هذا المقال أحببت أن أشارك بتقنية قلما استخدمها ولكنها قد تكون مفيدة جدا للبعض وخاصة في الحالات الطارئة التي قد تتطلب عملا من هذا النوع. تسمى هذه التقنية بـ «الدقة الفائقة» (Super Resolution) وسآتي على شرح بعض جوانبها.


تعريف

قد يلف مصطلح «الدقة الفائقة» بعض اللبس والغموض وذلك لأن ليس له معيار أو معنى محدد. ولذلك فإن خير الكلام ما قل ودل في هذا النطاق وما يعنيني هنا هو معنى هذا المصطلح وعلاقته بالعمل مع التصوير الرقمي (والملفات أو الصور الرقمية).

يمكن تبسيط شرح التقنية بالقول أنها تقنية لزيادة الدقة في الصورة (أو بالأحرى عدد العناصير Pixels في الصورة) بشكل مصطنع مما يسهم في زيادة حجم الصورة (أو مقاساتها) مع تقليل الأعراض المصاحبة لهذا التكبير (كالغشاوة في الصورة جراء هذا التكبير). بلغة الأرقام، بالإمكان رفع دقة الصورة بمقدار الضعف (مرتين) أو حتى الضعفين (أربع مرات) فوق الحجم الأصلي للصورة.

تناهى إلي أنه في الإصدارات الجديدة لبرنامج الفوتوشوب المعروف قد تم إضافة خيار خاص للدقة الفائقة ولكن في الحقيقة لا أعرف كيفية العمل بها أو متطلباتها. في السابق، كنت قد استخدمت برنامجا خاصا لزيادة الدقة للصورة (عن طريق دمج 4 صور). لم استخدم هذا البرنامج كثيرا لعدم الحاجة إليه في الغالب. لاحقا، تعرفت على طريقة يمكن العمل بها في محرر الفوتوشوب نفسه دون اللجوء إلى برمجيات أخرى. فإذا كان عزيزي القارئ مثلي ممن لا يمتلكون الإصدارات الحديثة لبرنامج الفوتوشوب فإنني أظن أن هذه المقالة ستكون مفيدة له.

مقارنة بالحجم الأصلي عند تكبير 100% بين (يسار) الصورة الأصلية و (يمين) الصورة بعد عملية زيادة الدقة. هناك بعض التشوهات البسيطة التي لم أقم بإصلاحها ولكنها صورة لتبيان الغرض من هذه العملية وسآتي على شرح هذه التشوهات لاحقا.

 

العمل

سيكون العمل بمجمله عبارة عن: التقاط مجموعة من الصور، وتكبير أبعادها إلى الضعف، ثم دمج هذه الصور بأسلوب خاص. لن أخوض في هذا المقام بعملية التقاط الصور وكيفية تحريرها، فهذا الأمر متروك للقارئ وخارج فحوى هذه المقالة. ولكن يجب الانتباه إلى أن العمل قد يطول مع كثرة الصور الملتقطة ولا سيما إن كانت بصيغة السالب الرقمي. لتسهيل القراءة سوف أضع التفاصيل لكل مرحلة من مراحل العملية في فقرات ونقاط.


التقاط الصور:

عند التقاط الصور (بأي صيغة كانت) يجب أن تكون الإعدادات ثابتة في الكاميرا حتى لا تتغير مستويات الإضاءة قدر المستطاع بين صورة وأخرى. ويُفضل كذلك التقاط الصور مع وضع الكاميرا على الحامل لتقليل أي تشوهات في الصورة ناتجة من حركة اليد (ولكن إذا كانت سرعة الغالق عالية فمن الممكن التقاط الصور حملًا باليد)، هذا بالإضافة إلى سكون الصورة قدر المستطاع (أي عدم وجود جسم متحرك فيها) وإن كان من الممكن إصلاح هذا الأمر لاحقا في المراحل النهائية ولكن بعض الحركات المُحدثة في الصورة قد تكون عصيّة على الإصلاح والتعديل أو على الأقل قد تستغرق وقتا طويلا لإصلاحها، فلذلك يُفضل العمل دائما في بيئة ساكنة قدر المستطاع.

لا يوجد قاعدة معينة لعدد الصور المطلوب التقاطها ولكن جرت العادة أن تكون ما بين 4 أو 5 صور، أو أكثر من ذلك. ولكن يجب التنبه إلى حقيقة أن العمل مع الكثير من الصور سيكون له توابعه على ذاكرة الحاسوب، فيجب أخذ هذا الأمر بعين الاعتبار. في هذا المقام، قمت بالتقاط ما يقارب 13 صورة بصيغة السالب الرقمي ومن ثم تحويلها إلى الصيغة المضغوطة «JPG» (بعد تعديلها في محرر السالب الرقمي ACR المُحتوى في برنامج الفوتوشوب). بالطبع يمكن التقاط الصور بصيغة «JPG» مباشرة في الكاميرا، فالأمر رهن خيار المصور هنا وكما قلت لن أخوض بتفاصيل التقاط الصور هنا.


التكديس والتكبير:

نقصد بالتكديس هنا هو وضع الصور في طبقات فوق بعضها البعض في برنامج الفوتوشوب. تستهلك هذه العملية مقدارا ليس يسيرا من ذاكرة الحاسوب ولهذا كما قلت آنفا يجب وضع هذا الأمر نصب الأعين عند تقرير عدد الصور المطلوبة. يتم الوصول إلى أمر التكديس عن طريق القوائم:

File>Scripts>Load Files into Stack…


وفي صندوق المحاورة هذا نقوم بالبحث عن الصور المطلوبة وإضافتها إلى القائمة. يُفضل هنا وقبل الموافقة والخروج من صندوق المحاورة هذا، تعطيل الخيارين أسفل القائمة ثم الموافقة ليبدأ الفوتوشوب بتكديس الصور

صندوق المحاورة لأمر التكديس مع الصور محل العمل في القائمة وكنت قد أسميتها بالترتيب العددي عند التحويل من السالب الرقمي (وهو أمر مفيد لترتيب الملفات ولكنه ليس ضروريا طبعا).

سيستغرق الأمر بعض الوقت حتى يقوم برنامج الفوتوشوب بتكديس الصور فوق بعضها البعض على شكل طبقات كما هو واضح من نافذة الطبقات في منطقة العمل، وهذا الوقت المستغرق يعتمد على عدد الصور وعلى سرعة الحاسوب كذلك

منطقة العمل مع نافذة الطبقات وفيها جميع الصور مكدسة فوق بعضها البعض.

 

بعد انتهاء التكديس سنقوم بتكبير مجمع الصور هذا إلى الضعف. لفعل هذا يمكن استدعاء الأمر بشكل سريع بالكبس على «أشكال+تحكم+I» ولكن إذا كان القارئ يفضل العمل بالقوائم فيمكن الوصول إلى هذا الأمر عن طريق:

Image>Image Size…


في صندوق المحاورة هذا سنقوم بالخطوات التالية:

1- نقوم بتغيير وحدة القياس من «بيكسل» (Pixel) إلى نسبة مئوية (Percent).

2- نقوم الآن بتعيين نسبة التكبير إلى 200. يجب أن يتغير العرض والطول معا إلى 200، إذا لم يكن الأمر كذلك فيجب كتابة 200 في كلتي الخانتين.

3- في القائمة السفلى يجب اختيار (Nearest Neighbor (preserve hard edges))، وشرح هذه القائمة خارج نطاق هذه المقالة ولكنها معنية بضبط عناصير الصورة عند التكبير والتصغير وتعيين الآلية الإحصائية التي يجب استخدامها عند التكبير أو التصغير. إذا لم تكن القائمة مفعلة فيجب التأكد من تفعيل خيار «إعادة تشكيل الصورة» (Resample Image).


صندوق محاورة تغيير المقاسات مع التغييرات المذكورة أعلاه كما هو واضح.

بعد الانتهاء من هذه الأمور الثلاث نقوم بالموافقة والخروج من صندوق المحاورة. قد يكون شكل الصور قبيحا بعض الشيء للوهلة الأولى بعد التكبير ولكن الأمر لم ينته عند هذا الحد!


ضبط المحاذاة والصف:

نقوم هنا بمطابقة الصور مع بعضها البعض قدر الإمكان لمنع التشوهات (ولكنها بطبيعة الحال ستحدث في الغالب)، وهذا أمر ضروري سواء تم التقاط الصور باستخدام الحامل أو باليد. عند بداية التكديس كان هناك أمر لمطابقة الصور في صندوق المحاورة ولكني عادة ما أفضل تعطيله والعمل على ضبط المحاذاة والمطابقة من خلال أمر المطابقة في القوائم وذلك لتوفر بعض الخيارات الأخرى إذا ما تطلب الأمر ذلك.

لبدء المطابقة يجب علينا أولا اختيار جميع الطبقات، ولفعل هذا نقوم بالنقر على أي طبقة في نافذة الطبقات وبعدها نكبس على «أشكال+تحكم+A» فيتم تظليل جميع الطبقات في النافذة. نقوم بعدها باستدعاء أمر المطابقة أو المحاذاة من القائمة:

Edit>Auto-Align Layers…


وفي صندوق المحاورة هذا هناك عدة خيارات (وهي بالأصل لصنع المشاهد المستعرضة أو البانوراما). والحقيقة أن خيار المطابقة الآلي (Auto) قد يفي بالغرض تماما، ولكن لتجنب المفاجآت (غير السارة) يُفضل العمل بخيار «تلصيق» (Collage) أو «تموضع» (Reposition). كما ذكرنا آنفا، فإن هذا الأمر قد خُصص أساسا لصنع المشاهد المستعرضة ولذلك قد يقوم الحاسوب ببعض التعديلات على الصور التي لا تخدم العمل هنا فيما لو تم اختيار النظام الآلي للمطابقة. أما في نظام «تلصيق»، يقوم الحاسوب بتغيير حجم الصور أو تحريكها أو لفها حتى تتطابق تماما، وأما في حالة «تموضع» فإن الحاسوب سيقوم بتغيير موضع الصور فقط للمطابقة بينها، ولعل هذا الخيار هو آمنها. مع ذلك، فيمكن للقارئ تجربة الأنواع الأخرى على أية حال والنظر في أنسبها له، حيث يمكن العودة عن هذا الأمر دائما بالكبس على «تحكم+Z». 

خيارات المطابقة وقد اخترت العمل بخيار التلصيق هنا.
  

وكما هي الحالة مع التكديس بدايةً، فإن أمر المطابقة قد يستغرق وقتا بحسب حجم الصور وعددها. بعد الانتهاء ننتقل إلى المرحلة الأخيرة، وهي الدمج.


دمج الصور:

يفترض عند هذه المرحلة أن تكون الطبقات مظللة كما هي. نقوم بدمج الطبقات هنا بطريقة خاصة تسمى «الموضوع الذكي» (Smart Object)، ولا أريد التعمق في خصائص هذا الدمج في هذا المقام ولكنه سيتيح لنا خيارات نحن بحاجة إليها. للقيام بذلك نقوم بالنقر بالزر الأيمن على الطبقات واختيار «تحويل إلى موضوع ذكي» (Convert to Smart Object). هنا كذلك، قد يستغرق العمل بعض الوقت تباعا لحجم الصور وعددها. سنلاحظ بعد الانتهاء من عملية الدمج أن جميع الصور قد دُمجت في طبقة واحدة مع علامة مميزة على الصورة الجانبية للتنويه على كونها موضوع ذكي (أو طبقة ذكية إن جاز التعبير). ولكن الأمر لم ينته بعد.

استدعاء أمر التحويل إلى «موضوع ذكي» كما هو واضح ويتم استدعاء القائمة بالنقر بالزر الأيمن على الطبقات.

 
شكل نافذة الطبقات بعد دمج الصور
المكدسة كموضوع ذكي. نلاحظ العلامة
على الصورة الجانبية للطبقة للتنويه بأن
الطبقة «موضوع ذكي». أنقر للتكبير,

بعد الانتهاء من الدمج علينا هنا أن نحدد
«أسلوب التكديس»، وهذا الأمر يتم تنفيذه عن طريق القوائم فقط:

Layer>Smart Object>Stack Mode>…


تحت هذه القائمة سنجد عدة خيارات (وجميعها أساليب إحصائية للتحكم بطريقة الدمج في الموضوع الذكي الذي صنعناه آنفا). ما يهمنا منها هو خياران فقط: «معدل» (Mean) و«وسيط» (Median). يمكن اختيار أي منهما والنظر في تفاصيل الصورة لتبيان حالة الدمج واختيار الأنسب منهما. تحديد أسلوب التكديس أو الدمج للموضوع الذكي هنا مهم للتقليل من آثار الأجسام المتحركة في الصورة النهائية بعد الدمج؛ وأقول هنا «لتقليل» وليس «لإزالة» الآثار تماما

مقارنة بين أسلوب الوسيط والمعدل في دمج الطبقات داخل الموضوع الذكي، ونلاحظ أن المعدل له نعومة أكثر من الوسيط ولكن قد تبدو بعض الملامح غير واضحة وتحتاج إلى زيادة في الحدة. أما في حالة الوسيط فإن الحدة مرتفعة نسبيا (ويمكن زيادتها أكثر لاحقا) ولكن قد تبدو بعض حبيبات الضوضاء أو التشويش أكثر مما هو عليه في أسلوب المعدل وبالطبع يمكن تقليلها لاحقا كذلك.

 

عند هذا الحد نكون قد انتهينا من صنع صورة ذات دقة فائقة (تفوق الدقة الأولية للصورة أو الصور الابتدائية)، ولكن يظل العمل النهائي هنا على عاتق المستخدم أو المصور حيث أن الصورة غالبا ستحتاج إلى بعض اللمسات من تقليل مستوى الضوضاء أو التشويش وزيادة الحدة بمقدار ما، بالإضافة إلى بعض الإصلاحات التي قد يخلفها الدمج (بسبب تحرك شيء ما في الصورة مثلا). كل هذه الأمور هي خارج نطاق هذه المقالة ولا يسع المقام لشرحها (بل لا يمكن شرحها بصورة واحدة فقط).

مقارنة في الحجم (بالعناصير) قبل وبعد عملية رفع الدقة.

 

بعد الانتهاء من العملية يمكن حفظ الصورة بأي صيغة مطلوبة ويمكن كذلك العمل مع الصورة كموضوع ذكي (وهو ما يتيح التعديل على بعض التأثيرات بعد تطبيقها على الصورة) ولكن العمل بهذه الطريقة غالبا سيستهلك من ذاكرة الحاسوب كذلك، ولذلك يمكن رد الموضوع الذكي إلى طبقة عادية بما قد يسمى «عنصرة المُتَّجِه» (والمصطلح من تعريبي في الحقيقة فلم أجد مكافئا له)، وهو ما يسمى بالإنجليزية (Rasterize)؛ وهي عملية يقوم الحاسوب فيها بتحويل الرسومات المتجهة (Vectors) إلى عناصير (جمع «عُنصور»، وهو معرّب «بيكسل»). ولا أود الدخول في شرح هذه الأمور في هذا المقام، ولكن لعمل هذا يكفي النقر بالزر الأيمن على طبقة الموضوع الذكي وسنجد أمر التحويل (Rasterize) موجودا هناك.


أمر التحويل إلى طبقة اعتيادية (Rasterize) ويتم استدعاؤه من القائمة بالنقر بالزر الأيمن على الطبقة كالمعتاد.


الخاتمة

أتمنى أن يكون عزيزي القارئ قد أفاد وازداد من هذه المقالة، التي حاولت قدر المستطاع تبسيطها. لربما كانت بعض الأمور التقنية في هذه المقالة أو بعض المصطلحات عسرة على الفهم نوعا ما ولكن مع تكرار العمل سيكون الأمر بسيطا إلى حد ما واعتياديا. وكما قلت في بداية هذه المقالة فإن الإصدارات الجديدة من برنامج الفوتوشوب تحتوي على خاصية «الدقة الفائقة» ولكنني لم اتعامل معها مطلقا، ولهذا لا أعلم كيفية عملها، لكنما الطريقة المذكورة في هذه المقالة هي إحدى الأساليب المتبعة قبل استحداث تلك الخاصية في الإصدارات الجديدة. وهناك بعضا من البرامج التي قد جربتها ولكن بشكل بسيط والتي تتيح زيادة دقة الصورة كذلك ولكن الأمر لم يكن ليخلو من المشاكل معها ولهذا لم أجربها كثيرا. تتميز الطريقة المذكورة في هذه المقالة بإتاحة بعض الحرية في طريقة العمل من جانب المستخدم ولا تتطلب إصدارا معينا من برنامج الفوتوشوب أو حتى العمل مع برنامج خارجي. هذا وحتى نلتقي في المقالة القادمة إن شاء الله…