الخميس، 7 أبريل 2016

اختبار العدسات…

سأحاول في هذه المقالة التحدث عن طريقة بسيطة لاختبار العدسات فيما يتعلق ببعض خصائصها. يأتي هذا النوع من الاختبارات لأهمية الدراية التامة بقدرات العدسة والتخطيط للتصوير مستقبلا وكيفية التعامل مع العدسة من قِبل المصور. هناك اختبارات أكثر تعقيدا ومصممة لاستخلاص معلومات أكثر عن العدسة، ولكنّي هنا سأقوم بشرح بعض الأمور البسيطة التي لا تتخللها الحسابات كثيرا. سنرى هنا كيفية اختبار العدسة للعثور على ما يسمى بـ «البقعة الجميلة» (Sweet Spot)، وهو تعبير دارج يستخدم للدلالة على مقدار فتحة العدسة التي تكون الصورة فيها أشد حدة وأقل عرضة للتشتت الضوئي (Chromatic Aberration) أو الانحراف اللوني. سيكون المقال، رغم بساطته، طويلا بعض الشيء حيث سأحاول التدرج في الطرح مع بعض التفصيل إن أمكن، وسيكون الاختبار هنا لعدستين منفصلتين، لسبب معين سوف أذكره لاحقا، وهما عدستا «كانون 15مم ب/2,8 عين السمكة»، و«ڤويغتلاندر20مم ب/3,5».

التحضير

نحتاج لعمليات اختبار العدسات إلى مخطط معين مطبوع بحجم كبير. هذه المخططات تم تصميمها بشكل خاص وبطريقة معينة لاختبار بعض مقدرات العدسات وإمكاناتها. اخترت أنا هنا مخطط بسيط من إنتاج B&H ويمكن الحصول عليه من هذا الرابط. الحجم الأصلي لهذا المخطط عند تحميله يناهز 170سم عرضا و95سم طولا، وفي المقالة الأصلية باللغة الانجليزية تم طباعة هذا المخطط بحجم أصغر. أما بالنسبة لي فقد اخترت حجما بين هذين الاثنين، وهو حجم ورقة (A0) وهو ما يقارب 119سم عرضا و84سم طولا، وسيكون هناك بعض الهوامش البيضاء من الأعلى والأسفل (يجب عدم مط المخطط في برامج مثل الفوتوشوب لتعبئة المساحات المتبقية). يفضل أن تكون الطباعة على ورق لماع (Glossy) وذلك لزيادة التباين للمخطط وليبدو أكثر وضوحا.

مخطط الاختبار من إنتاج B&H.


يمكن تثبيت الورقة المطبوعة على حائط ما ولكن يفضل تثبيتها أولا على سطح صلب (لوح مثلا) وتعليقها. أنا شخصيا لم أفعل هذا ولكن الحق يقال، بأن التعامل مع ورقة كبيرة بهذا الحجم سيكون أسهل لو تم تثبيتها على سطح صلب أولا. أما أنا، فقد قمت بلصقها مباشرة بشريط لاصق على الحائط. يفضل أن يكون المكان ذو إضاءة جيدة وأن لا يُعلق المخطط على ارتفاع شديد؛ بل يكفي أن يكون على ارتفاع الصدر أو الرأس. يجب التركيز على أن يكون المخطط أفقيا تماما من غير ميلان قدر المستطاع، وشد الأطراف قليلا حتى تكون الورقة مستوية تماما.
عندما يتعلق الأمر بالإضاءة، يجب أن تكون الإضاءة متساوية، ولكن بسبب الصعوبات التي واجهتها في اختيار المكان لم يكن الخيار مفتوحا، ولهذا اعتمدت على ضوء الشمس المتسرب إلى الغرفة. يقترح البعض كذلك استخدام الومّاضات على الجهتين من الورقة ولكننا لن نعقد الأمور كثيرا هنا. من المهم أن لا تعكس الورقة اللامعة الأضواء بشدة حتى لا تختفي معالمها عند تصويرها.

تجهيز الكاميرا والعدسة

لا يخفى في مثل هذا الاختبارات فإنه لا بد من تثبيت الكاميرا على الحامل لمنع الاهتزاز مهما كانت سرعة الغالق سريعة (والحقيقة أن سرعة الغالق قد تكون بطيئة جدا لبضع ثوان كما كانت الحالة معي، وهذا يعتمد على مستوى الإضاءة). يفضل كذلك استعمال جهاز التحكم (السلكي أو اللاسلكي)، ويفضل أن توضع الكاميرا على نظام «قفل المرآة» (Mirror Lock)؛ والمقصود هنا هو المرآة العاكسة والتي تعكس المشهد من العدسة إلى العينية التي يشاهد المصور منها. عند الضغط على زر الغالق لالتقاط الصورة، فإن هذه المرآة تقوم بالدوران إلى الأعلى للسماح للضوء المار بالوصول إلى المستشعر. هذا الدوران قد يسبب اهتزازا طفيفا قد لا يشعر به المصور ولكنه بلا شك قد يكون سببا في تقليل حدة الصورة. حتى إن بعض المصورين قد اعتاد على تشغيل هذه الخاصية طيلة الوقت.

قائمة تفعيل قفل المرآة في بعض كاميرات الكانون قد تبدو بهذا الشكل (من بين قوائم الإعدادات).

 
جهاز تحكم سلكي من إنتاج كانون، نوع TC-80N3.
تشغيل خاصية قفل المرآة يختلف باختلاف الكاميرا؛ فبينما تكون عن طريق القوائم في داخل كاميرات الكانون، فهي تكون معينةً بزر خاص على الكاميرا في أنظمة نيكون. سوف يتطلب الأمر عند تشغيل هذه الخاصية ضغط زر الغالق مرتين لالتقاط الصورة: المرة الأولى لرفع المرآة، والثانية لالتقاط الصورة. قد يسبب هذا بعض الإرباك للوهلة الأولى ولكن المصور سرعان ما سيعتاد هذه الطريقة في التصوير. لضمان الثبات، يفضل الانتظار بين الضغطة الأولى والثانية لوهلة أو ثانية واحدة على الأقل للتأكد من انعدام الاهتزاز تماما. لهذا السبب يفضل استخدام جهاز التحكم عن بعد، وأنا شخصيا أفضل السلكي للوظائف الإضافية الممكنة فيه ولتقليل الارتباك
شاقول أو ميزان ماء يُثبت على الكاميرا.
 عند وضع الكاميرا على الحامل، يجب أن تكون الكاميرا مستوية من غير ميلان. للمساعدة في هذه العملية، فإن بعض الكاميرات (مثل كانون إيوس 7د) تمتلك شاقولا (ميزان تسوية) رقميا. في هذه الكاميرا يكون الوصول إليه عن طريق ضغط زر المعلومات (info) لعدة مرات (ويفضل العمل بنظام المشاهدة الآنية LiveView). على ذلك، يرجى الرجوع إلى كتيب التعليمات للكاميرا للبحث عن هذه الخاصية ووجودها من عدمه. إذا لم يكن هذا ممكنا، فإن هناك شواقيل منفصلة يمكن تثبيتها على الكاميرا (في منصة تثبيت الومّاض) للتأكد من توازن الكاميرا.
الشاقول الرقمي على الشاشة.
 يجب على المخطط أن يغطي مساحة النظر للعدسة تماما (أي أن المخطط يملأ حيز الصورة تماما)، ونظرا لكون المخطط قد صُمم بنسبة 16 إلى 9، فإنه من الممكن التغاضي عن الأطراف ويسمح أن تكون خارج الصورة ولكن يفضل إلى حد الإطار الرمادي وليس أكثر من ذلك. كل هذا العمل، يفضل أن يكون مع نظام المشاهدة الآنية على شاشة الكاميرا الخلفية (وإن كانت الكاميرا قديمة نوعا ما ولا يتوفر فيها هذا النظام، فإن النظر سيكون من خلال العينية طبعا). سيستغرق الأمر بعض الوقت. أنا شخصيا قد استغرقت حوالي 30 دقيقة لضبط الكاميرا مع إحدى العدسات. لو كانت العدسة ذات بعد بؤري طويل (100مم مثلا) فسيتطلب الأمر توافر المساحة اللازمة للابتعاد عن المخطط بالقدر المناسب حتى يملأ مجال الرؤية للعدسة، ولو كانت العدسة ذات بعد بؤري قصير (أقل من 50مم) فإن الأمر سيتطلب الاقتراب أكثر من المخطط لملأ مساحة التصوير. من المهم جدا أن يكون مستويا المخطط والمستشعر متوازيان، ولهذا السبب نقوم بضبط توازن الكاميرا بالشاقول (الرقمي أو المائي على الكاميرا) حتى نضمن هذا الأمر. وبالطبع فإن الدائرة الرئيسية في المخطط يجب أن تكون في منتصف الصورة. عند ضبط كل هذه الأمور المتعلقة بموقع الكاميرا نأتي الآن على الإعدادات المفضلة لالتقاط الصور وسنأتي لاحقا على إعدادات العدسة بالتفصيل:
1- يفضل العمل بنظام أولوية الفتحة «Av» (وفي النيكون «A»)، ووضع فتحة العدسة على أكبر قطر لها (أي أصغر عدد بؤري).

2- يتم ضبط طريقة قياس الضوء على التقييمي (Evaluative) أو المركزي (Center-weighted)؛ وأنا شخصيا أفضل الأولى.

رموز قياس  الضوء في الكانون. القياس التقييمي والمركزي تم صبغهم باللون الأحمر.


3- يمكن ضبط «منطقة التركيز» حتى تكون في المنتصف، وسأتكلم لاحقا بالتفصيل عن ضبط التركيز لكون العدسات تختلف في خصائصها في ضبط التركيز.

اختيار وضبط منطقة التركيز في المنتصف، وهي تختلف باختلاف الكاميرا والنوع.
يرجى مراجعة كتيب التعليمات لمعرفة كيفية الضبط.


4- بعض الكاميرات تمتلك خاصية «تصحيح» الإضاءة الهامشية للصور الملتقطة (Peripheral Illumination Correction) – عند تواجد هذه الخاصية فيفضل عدم تفعيلها حتى تكون الصور الملتقطة معبرا حقيقيا عن قدرات العدسة من غير أي تصحيح أو تعديل.

خاصية تصحيح الإضاءة الهامشية في القوائم (إن وجدت).


5- يكون التصوير بنظام السالب الرقمي (RAW) لأنها ستوفر السلاسة في التعامل مع التعريض كما سنرى لاحقا.

6-
يتم ضبط مقياس «تعويض الإضاءة» (EV) إلى «1+».

تعويض الإضاءة إلى 1+ على المقياس.


7- يمكن ترك المستوى الأبيض (White Balance) على النظام الآلي (AWB أو WB*A) ، حيث سيتم تعديله لاحقا بشكل سلس عند تحرير ملفات السالب الرقمي.

كان هذا ما يتعلق بالإعدادات المطلوبة للكاميرا، سنرى الآن إعدادات العدسة وطريقة ضبطها، وهنا سيلعب نظام المشاهدة الآنية دورا أساسيا لضبط التركيز. إذا كانت الكاميرا قديمة ولا تمتلك هذا النظام فلا مناص من الاعتماد على العين المجردة أو أي أدوات مساعدة للعينية لتوخي الدقة عند ضبط التركيز. من الجدير بالذكر في هذا المقام بأنه حتى مع توافر خدمة ضبط التركيز الآلي للعدسة (AF) فإننا لن نعتمد عليه كليا، ويجب على المصور التدقيق بمقدار حدة الخطوط في الصورة على الشاشة حتى بعد ضبط التركيز آليا. قبل ضبط التركيز يجب ضبط فتحة العدسة لأكبر قطر ممكن (أقل عدد بؤري). نأتي الآن على شرح إعدادات العدسة وهي تختلف باختلاف نوع العدسة:

أزرار التقريب أو التكبير عند النظر في الشاشة.
أ- العدسات الآلية: في هذا النوع من العدسات، يتم تشغيل النظام الآلي لضبط التركيز. عند العمل بنظام المشاهدة الآنية، فيجب تحريك مربع التركيز (الأبيض) إلى منتصف الشاشة والضغط نصف ضغطة على زر الغالق حتى يتم ضبط التركيز. عند ضبط التركيز ستصدر الكاميرا صفارة قصيرة. بعدها، نقوم بتعطيل خاصية الضبط الآلي وتكبير المنطقة تحت مربع التركيز إلى 10 أضعاف أو إلى أقصى حد ممكن (باستخدام أزرار التكبير الموجودة على اليمين عادة)، ومنها يتم تحريك حلقة ضبط التركيز على العدسة برقة شديدة للتأكد من حدة الخطوط الظاهرة على الشاشة. تعتبر هذه الخطوة ضرورية حيث أن عمل المستشعر لا يشابه عمل العين البشرية في طريقة ضبط الوضوح للصورة وأيضا لأسباب أخرى تتعلق بمستوى الإضاءة الموجودة.

ب- العدسات الشبه-آلية: وهي عدسات تكون فيها مجسات للتعامل مع الكاميرا ولكن لا يتوفر فيها نظام ضبط التركيز الآلي. وهي مع ذلك، مزودة بنظام يساعد على ضبط التركيز عن طريق الصفارة القصيرة. لضبط التركيز هنا علينا إطفاء نظام المشاهدة الآنية، والتأكد من أن إعدادات الكاميرا قد ضبطت على ضبط التركيز في منطقة المنتصف (كما ذكر سابقا في رقم 3 أعلاه). نقوم بعد ذلك بلف حلقة ضبط التركيز بشكل بطيء مع الضغط على زر الغالق نصف ضغطة بشكل متتابع حتى يصدر الصفير. نقوم بعدها بتشغيل المشاهدة الآنية مرة أخرى ومن ثم التكبير كما فعلنا سابقا في النوع (أ) من تكبير للشاشة والتأكد من حدة الخطوط. يمكن للمصور بالطبع العمل على ضبط التركيز مباشرة بشكل يدوي ولكن الاعتماد على الصفير يمنحنا الثقة في العمل وعن عدم الانزياح كثيرا عن منطقة التركيز. جدير بالذكر أن عدسة «ڤويغتلاندر» التي أنا بصدد دراستها هي من هذا النوع.

علامة تحديد موقع المستشعر على الكاميرا.
ج- العدسات اليدوية: وهي العدسات التي لا تتوفر خاصية ضبط التركيز الآلي ولا تمتلك المجسات للتواصل مع الكاميرا. في مثل هذه الحالات، أفضل ما يمكن القيام به هو استخدام الشاشة مع التكبير وضبط التركيز عن طريق لف حلقة التركيز على العدسة. من الجيد أن يتم اللف ببطء ومعاينة الشاشة بدقة لملاحظة حدة الخطوط القصوى. من الممكن كذلك، لو شاء المصور ذلك، أن يقيس المسافة بين المخطط والمستشعر (الموسوم بعلامة «ø» على جسم الكاميرا) وضبط هذه المسافة على الحلقة، ومنها يتم البدء بضبط التركيز عند هذه النقطة. على كل، تكفي ملاحظة المصور لحدة الخطوط على الشاشة.

عند التأكد من كل هذه الإعدادات فإنه يمكننا الآن القيام بالتصوير مع توفر الإضاءة المناسبة وعدم انعكاس الإضاءات الشديدة على المخطط. الهدف من هذه الصور هو دراسة أداء العدسة عند فتحات معينة والمقارنة. يفضل للمصور القيام بتسجيل البيانات والخطوات التي يقوم بها لتلافي الخطأ، خاصة لو كانت العدسة يدوية تماما (العدسات الأخرى تسجل قيمة العدد البؤري مع الملف عند التصوير فيمكن معرفته بسهولة).

التصوير

عند هذه النقطة نكون قد جهزنا إعدادات الكاميرا والعدسة بالشكل الصحيح، والمخطط قد ملأ مجال رؤية العدسة (قد تظهر بعض المشاكل عند الأطراف في عدسات عين السمكة ولكن يمكن التغاضي عنها في هذا المقام). عند الاستعداد لالتقاط الصور، يجب إطفاء نظام المشاهدة الآنية، كما يفضل تغطية العينية (بشكل رقيق باليد أو أي شيء آخر بشكل رقيق) لمنع تسرب الإضاءة من خلف الكاميرا، وهذا من الأمور الشائعة الحدوث وقد يتسبب بإرباك مقياس الضوء لدى الكاميرا.
باستخدام جهاز التحكم، نقوم بالتقاط الصورة الأولى (وكما قلنا، مع تشغيل خاصية قفل المرآة، فإن المصور عليه كبس زر الغالق مرتين للصورة الواحدة). نقوم بعدها بزيادة العدد البؤري لخطوة واحدة (وقدشرحنا مصطلحات التعريض في مقالات سابقة)، أو ما يساوي 3 وقفات (إذا كانت الكاميرا تعمل بنظام الأثلاث) أو وقفتين (إذا كانت الكاميرا تعمل بنظام الأنصاف)؛ والحقيقة أن الغالب على الساحة الآن هو العمل بنظام الأثلاث، وعليه تكون ثلاث وقفات على قرص تعيين الفتحة مساوية لخطوة تعريض واحدة.
زيادة العدد البؤري لخطوة واحدة تعني تقليل مقدار الضوء الداخل إلى الكاميرا بخطوة واحدة، لأن فتحة العدسة يقل قطرها في هذه العملية. على أية حال، فإن الكاميرا في نظام «أولوية الفتحة» ستتكفل بحساب سرعة الغالق تلقائيا، وكل ما على المصور هو تعيين مقدار الفتحة عن طريق التحكم بالعدد البؤري (ب/س). أما بالنسبة لفتحة العدسة، فإن هناك بعض الأرقام الثابتة والتي يمكن اعتبارها بمثابة علامات وشواهد، ولكن ليس دائما. هذه الشواهد تكون على هيئة: (ب/1)، (ب/1,4)، (ب/2)، (ب/2,8)، (ب/4)، (ب/5,6)، (ب/8)، (ب/11)، (ب/16)، (ب/22)، (ب/32)، …الخ. قد يوجد لبعض العدسات أعدادا بؤرية أكبر من هذه، وعلى أية حال فإنها جميعا معاملات ناتجة من رفع الجذر التربيعي للعدد (2) إلى أس عدد صحيح مع التقريب.
عدسة مثل الـ «كانون 15مم عين سمكة» التي سنقوم بدراستها، تبتدئ بأقل عدد بؤري (أوسع فتحة ممكنة) مقدارها ب/2,8، ولهذا فإنها تتماشى مع هذه السلسلة. ولكن أقل عدد بؤري للعدسة الأخرى، «ڤويغتلاندر»، هو ب/3,5 (وأكبر عدد بؤري هو ب/22)؛ وعليه فإنها لا تتماشى مع هذه السلسلة. هنا، الخيار متاح للمصور: إما ابتداء التصوير من أقل عدد بؤري والزيادة لخطوات ثابتة (ومن الممكن التقاط صورة لآخر عدد بؤري حتى لو كان بأقل من خطوة كاملة)، أو الابتداء من العدد البؤري التالي لأقل عدد بؤري والذي يكون متماشيا مع السلسلة المذكورة أعلاه. في عملي شخصيا، قررت الابتداء من أقل عدد بؤري مهما كان نوع العدسة. كما أنني اضطررت لاحقا للتعريض المطول الذي فاق الثلاثين ثانية بسبب الإضاءة المنخفضة، ولذا فإنني أنصح بتوفير الإضاءة الجيدة إن أمكن. بعد التقاط الصور لكل الفتحات الممكنة على بعد خطوات كاملة من بعضها البعض، يمكننا الآن رفع الصور إلى الحاسوب والمقارنة. ونظرا لأن العمل في الحاسوب قد يعتمد على أسلوب المصور في الترتيب والتنظيم لهذه الصور، فإنني لن أسهب بالشرح؛ فخلاصة الأمر هي المقارنة نظريا بين مختلف الصور، سواء أكانت هذه الصور معروضة في برنامج الفوتوشوب (بشكل مكدس) أو في محرر السالب الرقمي للفوتوشوب نفسه.

دراسة الصور

كما قلت أعلاه، لن أسهب في الشرح في كيفية التعامل مع الملفات وما إلى ذلك (وهناك مقالات سابقة كنت قد كتبتها في هذا المجال). سأنتقل هنا مباشرة إلى محرر السالب الرقمي. بحسب نوع العدسة، فإن عدد الصور المتوقع سيكون 6 صور وما فوق. كما نستطيع معرفة الفتحة المعينة التي التقطت بها الصورة لو كانت العدسة من النوع (أ) أو (ب) كما ذكرنا. من أوائل الأمور التي يجب ضبطها هو ضبط مستوى اللون الأبيض لتصحيح الألوان. نقوم باختيار قطارة تحديد المستوى الأبيض ونضغط على أي منطقة رمادية (كالإطار الخارجي للمخطط مثلا). يمكننا فعل هذا الأمر لكل صورة على حدة أو لكل الصور دفعة واحدة عن طريق اختيارها كلها وتعميم التعديل (وهذا أفضل وأسرع).

قطارة تعديل المستوى الأبيض (بالأحمر) ومنطقة رمادية (بالأزرق) من الممكن استخدامها لتعديل المستوى الأبيض.
أنقر للتكبير

بعد ضبط المستوى الأبيض لصورة واحدة، نقوم بتعميم الضبط على جميع الصور دفعة واحدة عن طريق اختيار الكل (1) ثم النقر على زر المواءمة (2) وبعد ذلك نقوم باختيار «الجميع» (3)، ثم الموافقة (OK).
أنقر للتكبير

الأمر الثاني الذي يجب ضبطه هو التعريض، ويتم ذلك عن طريق زيادة أو تقليل التعريض والحكم عليه من خلال النظر إلى المخطط الضوئي. بالرغم من أن الأمر برمته لا يتعلق بالتحكم بالألوان ولا عرضها، ولكنه من المفيد أن يتم العمل بفضاء ألوان بروفوتو (ProPhoto)، حيث أنه فضاء واسع ويتيح المجال لضغط المخطط الضوئي قليلا من الأطراف. على أية حال، ليس الأمر ضروريا وإنما اختياري. عند هذه النقطة، يجب تعديل كل صورة على حدة (ويجب التأكد بأن صورة واحدة قد اختيرت وليس جمع من الصور)؛ فلا ينفع التعميم على كل الصور. الهدف من تعديل التعريض هو التقليل من الاختلافات في الإضاءة قدر المستطاع إن وجدت. نقوم هنا بتغيير قيمة التعريض بالزيادة أو النقصان حتى ينتصف المخطط الضوئي قدر المستطاع؛ ويفيد أحيانا استخدام أزرار الأسهم على لوحة المفاتيح للخفض والرفع بدقة بدلا من الضغط والسحب على مسطرة التعريض. عند إتمام المقاربة في التعريض لكل الصور فإننا الآن جاهزون للفحص والمقارنة ويجب عدم إجراء أي تعديل آخر على أي صورة.

زيادة التعريض (بالأحمر) لوضع المخطط الضوئي (المشار إليه بالأخضر) في منطقة المنتصف تقريبا. لزيادة المساحة النظرية للألوان من الممكن ضبط فضاء الألوان إلى بروفوتو (بالأزرق) ولكن ذلك ليس ضروريا.
أنقر للتكبير



عما نبحث الآن؟ يفضل تدوين الملاحظات بأي طريقة يراها المصور مناسبة حتى يمكن الرجوع إليها لاحقا. علينا أولا قبل التدقيق أن نكبر الصورة إلى أبعادها الحقيقية، أي إلى 100% (يمكن التكبير من القائمة السفلية، أو بقائمة الزر الأيمن للفارة عند النقر على الصورة). ننظر أولا إلى الدائرة المركزية في المخطط، ونقارن حدة الخطوط لهذه الدائرة المركزية في جميع الصور. يحتاج الأمر إلى التوقف والتدقيق قليلا عند بعض الصور بسبب تشابه حدة الخطوط في الدائرة، وقد يكون الدال الأخير على الحدة هو مركز الدائرة؛ كلما كان أقل تكدسا وأقل سوادا، فهذا يعني حدة أكثر في المركز. ندون العدد البؤري لهذه الصورة فيكون لدينا الآن ما يرمز له بـ «البقعة الجميلة» والتي ترمز إلى العدد البؤري الذي تكون الصورة فيه أشد حدة. هذا، وقد يخطئ البعض بالاعتقاد بأن زيادة العدد البؤري تزيد من الحدة، والحقيقة أن زيادة العدد البؤري تزيد عمق الميدان (أي المسافة التي يقع في ضمنها التركيز «المقبول») ولا تعني بالضرورة الحدة الأشد للصورة. لهذا السبب، نرى بعض المصورين يستخدمون طريقة «التكديس» لدمج الصور الملتقطة على أبعاد متفرقة حتى تتكون صورة واحدة لها حدة مقبولة وإن كانت هذه الطريقة أكثر شيوعا بين مصوري التصوير المجهري، إلا أن مصوري المجالات الأخرى يستخدمونها أحيانا. كل هذا بسبب رغبتهم في العمل بحدود الحدة القصوى عند فتحة العدسة المثالية التي توفر الحدة المثالية، والتي تدعى بـ «البقعة الجميلة».

قائمة التقريب ويتم ضبطها على 100% للرؤية السليمة في الخطوط والتفاصيل. يمكن قراءة وعرفة العدد البؤري في نافذة المعلومات (بالأزرق).
أنقر للتكبير


بعد النظر في دائرة المركز، نكرر العمل ولكن هذه المرة نمعن النظر في الزوايا، ويكفي النظر في زاوية واحدة فقط للمخطط (والنظر في الزوايا الأخرى مفيد أيضا للتأكد من الملاحظات). غالبا (وليس دائما) ستكون الحدة في هذه المناطق على أشدها عند نفس العدد البؤري المُلاحظ عند معاينة دائرة المركز، ولكن هذا ليس شرطا بالطبع. للمقارنة بين الصور لتعيين العدد البؤري الأكثر حدة عند الزاوية فإننا يمكننا معاينة خطوط المسطرة والنظر إلى حدتها ومدى قدرة التمييز بين خط وآخر.
ننتقل بعد ذلك إلى تفحص دائرة المركز مرة أخرى لتفحص التشتت الضوئي (أو الانحراف اللوني). والحقيقة أن الكثير من العدسات سوف تُظهر البعض من هذا الانحراف، وإصلاح هذا الأمر سهل نسبيا بشكل رقمي. لو كانت العدسة قد صُممت مع اعتبار إصلاح هذه المشكلة فإن سعر العدسة سيكون باهظا جدا. ولكن الأمر يستحق المعاينة والمقارنة فيما بين العدسات. غالبا ما يكون الانحراف اللوني أقل ما يمكن عند نفس العدد البؤري المعنون بـ «البقعة الجميلة» والذي أوجدناه سابقا. ندرس الزوايا كذلك لتفحص الانحراف اللوني على نفس المنوال، ومن الطبيعي أن يكون الانحراف عند الأطراف أكثر منه عند المركز وبالأخص في العدسات الواسعة (ذوات زوايا رؤية واسعة).
الاختبار الأخير الذي يمكننا القيام به هنا هو معرفة أين يبدأ «التظلل» (Vignetting) أو اسوداد زوايا الصورة؛ بمعنى عند أي عدد بؤري يمكن ملاحظة اسوداد زوايا الصورة. لمعرفة هذا الأمر، كل ما علينا فعله هو زيادة التباين (Contrast) لكل صورة على حدة مع النظر إلى الصورة كاملة دون تقريب. يُفسر هذا الاسوداد بأنه نتيجة تصغير قطر البؤرة أو فتحة العدسة بحيث أن جزء منها يدخل في الصورة. يمكن إصلاح هذا الأمر رقميا كذلك وإن كان من الأفضل تجنب ذلك إن أمكن، وذلك لأن هذه المشكلة تقلل من نقاوة الصورة بشكل عام ومن حيويتها.


النتائج


 أ- عدسة ڤويغتلاندر20مم ب/3,5 (Voigtländer 20mm f/3.5)
عدسة ڤويغتلاندر20مم ب/3,5.
هذه العدسة شبه-آلية كما ذكرنا سابقا، وهي ذات منظور «مصحَّح»؛ أي غير مشوه كما هي الحال في عدسات عين السمكة. هذا التصحيح على أية حال ليس تاما، ولا يزال هناك بعض التشوه البسيط من نوع «التبرمل» أو انتفاخ منطقة الوسط قليلا دون الأطراف. عند معاينة حدة الصورة للأعداد البؤرية المختلفة، تبين أن الحدة على أشدها فيما بين ب/7,1 وب/10، وهذا يعني أن ب/8 داخلة في هذا المدى. كان هذا المدى من الحدة صحيحا للدائرة المركزية وللزوايا على حد سواء. وأما بالنسبة للانحراف اللوني فقد كان أقل ما يمكن عند هذا المدى كذلك تقريبا. فحص التظليل لم يسفر عن أي نتيجة ولم يتضح أي اسوداد للأطراف عند أي عدد بؤري في هذه العدسة

صورة لمركز المخطط عند أعداد بؤرية مختلفة على مسافة خطوة واحدة من بعضها البعض لعدسة ڤويغتلاندر 20مم. أنقر الصورة لرؤية صورة عالية النقاوة بتكبير 100%.
ب- عدسة كانون 15مم ب/2,8 عين سمكة (Canon EF 15mm f/2.8 fisheye)
عدسة كانون 15مم ب/2,8 عين سمكة.
هذه العدسة آلية تماما، ولها نظام ضبط تركيز بطيء، وهي إحدى عدساتي المفضلة والتي اعتمد عليها خصوصا عند صنع المشاهد المستعرضة (Panorama). كونها عدسة عين سمكة، فهذا يعني بأن التبرمل فيها شديد والتشوهات عند الأطراف، بشكل خاص، كبيرة مع انتفاخ منطقة الوسط. لهذا، عند تجهيز الكاميرا والعدسة للتصوير فإنه لم يكن بالإمكان حذف بعض أجزاء الحائط عند الزوايا؛ ولكن هذه الأجزاء صغيرة نسبيا ولا تؤثر كثيرا في القراءات لهذه العدسة

صورة لمركز المخطط بعدسة كانون 15مم عين السمكة عند أعداد بؤرية مختلفة.أنقر الصورة لرؤية صورة عالية النقاوة بتكبير 100%.

 
عند معاينة المركز تبين أن «البقعة الجميلة» تقع عند العدد البؤري ب/8، ولكن عند معاينة الزوايا تبين أن حدة الصورة جلية أكثر عند ب/11. هذا النوع من التغيير في حدة وتركيز الصورة يطلق عليه أحيانا اسم «إزاحة التركيز» أو «انتقال التركيز» (Focus Shift)، وهو تعبير يطلق على ظاهرة تغير مسافة التركيز المطلوبة بتغير العدد البؤري. قد تكون هذه الظاهرة موجودة في جل العدسات ولو بشكل طفيف، ولكنها تبدو ظاهرة وواضحة عند اختبار هذه العدسة. أما الانحراف اللوني فإنه لا يُظهر أي تبدلا مع تغيير فتحة العدسة، ولكنه أشد عند الزوايا منه عند المركز. هذا، ولم يسفر اختبار التظلل عن أية نتيجة عند الزوايا.

صورة للزاوية اليسرى السفلية من المخطط بعدسة كانون 15مم عين سمكة بأعداد بؤرية مختلفة.أنقر الصورة لرؤية صورة عالية النقاوة بتكبير 100%.

الاستنتاجات والمقارنة

لدينا هنا عدستان من ذوات الزوايا الواسعة، ولكن مجال رؤية عدسة الكانون 15مم عين السمكة أكبر من مجال رؤية عدسة ڤويغتلاندر 20مم بشيء بسيط. من جانب آخر، فإن عدسة ڤويغتلاندر ذات منظور مصحح مع تبرمل خفيف بعكس عدسة كانون 15مم عين السمكة.
يبدو أن عدسة ڤويغتلاندر يمكن الاعتماد عليها إذا أردنا الحصول على نتائج متوازنة ومضمونة، ويعود هذا إلى التوافق في حدة الصورة ما بين المركز والزوايا عند ب/8 (منتصف المدى)، بعكس عدسة الكانون التي تُظهر إزاحة في التركيز والحدة ما بين المركز والزوايا عند ب/8 وب/11 على التوالي.
من جانب آخر، فإن الانحراف اللوني موجود في كلتي العدستين ولكن مع بعض الاختلافات: في عدسة ڤويغتلاندر يكون الانحراف بشكل موحد ما بين المركز والأطراف، ولكن في عدسة كانون فهو يزيد عند الأطراف عما هو عليه في المركز. وبشكل عام فإن مقدار هذا التشتت في عدسة ڤويغتلاندر أقل منه في عدسة الكانون مما يجعل إصلاحه أيسر نسبيا.
أما فيما يتعلق بمشكلة التظلل فلم يظهر لها أي أثر في كلتي العدستين وقد يعود هذا إلى حقيقة أن الكاميرا (كانون إيوس 7د) هي ذات مستشعر صغير (بمعامل قطع 1,613×). وعليه، فقد تظهر آثار التظلل أوضح لو كانت الكاميرا ذات مستشعر كبير (مثل كانون 5د)؛ ذلك لأن المستشعر الأكبر يكون محل إسقاط أكبر للصورة الخارجة من العدسة ويمكنه عرض مساحة أكبر عند الأطراف والزوايا.
هناك بعض الأمور الأخرى التي من الممكن تحليلها ولكن باستخدام مخططات أكثر تعقيدا (يسمى إحداها ISO 12233)، ولعل أكثر اختبار قد يهم المصور هو اختبار قوة تحليل العدسة وقدرتها على التمييز بين الخطوط الرفيعة المتراصة، وهذه تتم عن طريق بعض الحسابات.

الخاتمة

أرجو أن تكون هذه المقالة مفيدة لعزيزي القارئ وقد حاولت فيها أن أبسط الأمور قدر المستطاع. ليس من المفترض أن يختبر المصور كل عدساته، وليس هذا ممكنا قبل شراء العدسة (إلا إذا تمكن الشخص من الحصول عليها بطريقة ما وإجراء الاختبارات عليها)، ولكنها فكرة جيدة لفهم طريقة عمل العدسات بشكل عام. أنا شخصيا لم أكن لأجري هذه الاختبارات حتى تلك اللحظة التي دعت الحاجة فيها إلى المقارنة بين العدستين المذكورتين أعلاه. وكما ذكرنا في المقالة، فإن هناك مخططات أعقد من هذا بكثير وبعضها له وظيفة معينة؛ على سبيل المثال لا الحصر، هناك مخططات خاصة لتقدير مدى الإصلاح اللازم لتموجات وتشوهات عدسات عين السمكة. لذلك فأنا أنصح عزيزي القارئ أن يبحث أكثر في هذا المجال بالذات (والذي تتوفر فيه المقالات غالبا باللغات الأجنبية للأسف). هذا، وحتى نلتقي في مقالة جديدة إن شاء الله…

Stock Photos from 123RF Stock Images

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق