الجمعة، 23 مايو 2014

عمق الميدان (Depth of Field)…

يترادف مصطلح «عمق الميدان» مع «فتحة العدسة»، وهذا شيء طبيعي حيث أن قطر فتحة العدسة (أو بؤبؤ العدسة إن صح التعبير) هو ما يحدد عمق الميدان. إذن، ما هو عمق الميدان؟
من الممكن التعبير عن عمق الميدان بالتالي: هو مقدار المسافة الداخلة في تركيز العدسة بحدة مقبولة. يمكن تخيل الأمر على أنه مادة سميكة، وتتغير هذه السماكة مع تغيير حجم فتحة العدسة، إلا أن هذه المادة غير مرئية. لاحظ بأن عمق الميدان لا يعبّر عن مسافة تركيز العدسة (والتي يستطيع المصور تغييرها عن طريق الحلقة الخارجية للعدسة)؛ فمسافة التركيز تحرك عمق الميدان إلى الأمام أو الخلف فقط، ولكنها لا تزيده أوتُنقص منه.
يلعب عمق الميدان دوراً أساسيا في فن التصوير، بل من الممكن اعتباره نقطة البداية عند التفكير في التقاط صورة ما. ليس في كل الأحيان طبعا ولكن في الغالب يبدأ المصورون تخيل وترتيب اللقطة قبل التقاطها ابتداءً من عمق الميدان، وذلك لأنه يحدد مجال الرؤية، وكذلك مجال الخيال في الصورة.
يتناسب عمق الميدان عكسيا مع حجم الفتحة، حيث كلما قل حجمها زاد عمق الميدان، ولكن حجم فتحة العدسة عادة ما يشار إليه بصيغة كسرية مثل «ب/س»، حيث ترمز «ب» إلى «البعد البؤري» بينما ترمز «س» إلى عدد ما، وهو ما أشرنا إليه مسبقا في المقالات السابقة، ولهذا فإن عند زيادة العدد «س»، تقل قيمة الكسر، وذلك يعني بأن حجم الفتحة يقل كذلك – ومنها يمكن الربط بين عمق الميدان ومقدار «س» على أنهما متناسبان طرديا، لا عكسيا. هذا يكون أسهل للتفكير السريع وكذلك فإن الكاميرات (رقمية كانت أم لا) لا تعبر عن حجم الفتحة ولكن عن نسبة البعد البؤري إلى معامل أو عدد معين؛ فعند زيادة هذا المعامل يزيد العمق، وعند نقصانه فإن العمق يقل. رياضيا من الممكن التعبير عنها بالطريقة التالية:

س=ب÷ق؛

حيث تكون «س» هي معامل الفتحة (كما سأدعوه)، و«ب» هو البعد البؤري، و«ق» هو قطر الفتحة. باستخدام الجبر البسيط جدا يمكن إعادة كتابة هذه المعادلة على الشكل التالي:

ق=ب÷س؛

وهذه هي الصيغة التي تستخدم في الكاميرات (على شكل ب/س طبعا وهو ما دعوته بالعدد البؤري سابقا). جدير بالذكر إن الفتحات في الكاميرات عادة ما تكون مركبة من ألواح معدنية متتالية تنزلق على بعضها للتحكم بقطر الفتحة، ولذلك فإن فتحة العدسة ليست دائرية تماما ولكنها قريبة من ذلك. تجد وصف عدد ألواح أو شفرات الفتحة عادة عند سرد مواصفات العدسة على شكل (number of blades)، أي عدد الشفرات. وهذا العدد كلما أزداد، عنى ذلك بأن الفتحة أقرب إلى الدائرة، فكثرة الشفرات المنزلقة على بعضها تعطي حدوداً أنعم وبالتالي تكون أقرب إلى الدائرة (وهذا يعني زيادة في السعر كذلك). هناك العديد من الأشكال الهندسية التي تكونها الشفرات؛ مثلا الخماسي إذا كان هناك 5 شفرات، والسداسي والسباعي إذا كانت الفتحة مشكلة من 6 أو 7 شفرات على التوالي، وهكذا. من غير الدخول إلى عالم البصريات المعقد، والذي يعتمد جلّه على هندسة المثلثات، كل ما على المصور معرفته الآن هو أن زيادة العدد البؤري سيزيد من عمق الميدان (ويقلل من الضوء الداخل).

لقطات متتالية لنفس الموضوع بعدسة 50مم من غير تغيير تركيز العدسة. التغيير فقط بالعدد البؤري.
لاحظ كيف تبدو الخلفية ابتداءً من فتحة ب/1,4 حتى ب/22,0.


يقوم بعض المصورين بتقسيم الأعداد البؤرية إلى ثلاثة أقسام، وهو نوع من التقسيم الفني الذي قد يساعد في ترتيب أفكار المصور عند تصوير موضوع ما وليس له أي علاقة بالتقنية أو بالعلم. هذا التقسيم مستقى من بعض الكتب بتصرف:

1. قسم شد الانتباه: وهو يضم الأعداد البؤرية التي تكون أقل من «ب/8». هذا لأن الأعداد البؤرية كلما قلت فإن العمق يقل كذلك، وبالتالي فإن عند تركيز الوضوح بالعدسة مع عمق قليل سيبرز الموضوع بشكل يشد النظر إليه مع غشاوة تغلف المنطقة خلف الموضوع (وأمامه كذلك بحسب عمق الميدان). لذلك يجدر بالمصور أن يسأل نفسه قبل التقاط الصورة: هل أريد شد النظر إلى شيء معين في هذا المشهد؟ ذلك بجانب قواعد التصوير الأخرى طبعا، مثل قانون الأثلاث وما إلى ذلك.

2. قسم اللامبالي: قد يكون المسمى شديدا بعض الشيء، لكنه يدعى كذلك من منطلق التردد في ذات المصور أو عدم وجود عنصر طاغ في الصورة قد يجعل المصور نفسه يفكر باستخدام القسم الأول. هذا القسم يبتدئ من «ب/8» حتى «ب/11». يكون عمق الميدان في هذا المدى متوسطا، ويصلح لغالبية أعمال التصوير، التوثيقية والتجريدية خصوصا. يكمن في هذا المدى كذلك ما يسمى بـ«النقطة الجميلة» (Sweet Spot)، وهو مصطلح يطلق على فتحة العدسة التي تكون فيها حدة الصورة على أشدها وتكون فيها مشكلة تشتت الألوان (عند الحواف) منعدمة أو منخفضة. لا يوجد قاعدة موحدة لإيجاد هذه النقطة سوى تجربة العدسة على فتحات مختلفة. قد تقع هذه النقطة في معظم العدسات في هذا المدى الأوسط ولكنها ليست قاعدة؛ فالأمر كله عائد إلى طريقة تصنيع العدسة ونقاوة المواد المستخدمة.

3. قسم الحكاية: وهذا القسم الذي يحاول فيه المصور أن يحكي قصة ما من خلال المشهد أمامه، ولذلك فإن عمق الميدان الكبير مطلوب لوضع كل المشهد أمام الكاميرا تحت التركيز. يبدأ هذا القسم من «ب/11» وما فوق ذلك. قد يكون هذا القسم من الأعداد البؤرية هو الأنسب في تصوير المساحات والأراضي لإدخال جُل المشهد في عمق الميدان وبالتالي تكون الحكاية قد تكونت من كل المشهد لا من مقطع منه فقط.

يفضل بعض الخبراء دائما عدم تجاوز فتحة ب/16 وهذا لأسباب تتعلق بالتشتت الضوئي وأمور أخرى تندرج تحت عنوان «مشاكل العدسات» بشكل عام. مشاكل العدسات تحتاج إلى مقالة منفردة بخصوصها وتنطوي على أكثر من محور، منها ما هو متعلق بنقاوة المواد المستخدمة في صناعة العدسات، ومنها ما هو متعلق بطريقة عمل العدسة.

ظاهرة التشتت الضوئي غند الحواف في الضوء الساطع خصوصا. لاحظ بروز اللون القرمزي عند الأسهم الحمراء (ويقابلها بروز اللون الأخضر من الجهة المقابلة للحافة). قد يكون التشتت باللون الأصفر والأزرق والأحمر كذلك.


بالإضافة إلى التشتت الضوئي (بسبب انكسار الضوء داخل العدسة وعدم تجمعه مرة أخرى بشكل دقيق) فإنه كلما ضاقت الفتحة كلما توهجت مصادر الضوء في المشهد على شكل نجمة، وهو ما يسمى (Star Burst)، وسنعربه هنا إلى «الطفح النجمي». قد يكون هذا الشكل مرغوبا في بعض الأحيان، حتى أن هناك بعض الشركات التي تصنع مرشحات خاصة لصنع مثل هذا التأثير. ولكن عندما يزيد هذا المؤثر عن حده فإنه يشوش على الصورة بشكل سيء، وفي بعض الحالات (لا سيما عند إطالة التعريض) تكون النتيجة كارثية حيث يصبح هذا الطفح كبيرا إلى درجة تغطي بعض معالم الصورة.

صورة التقطتها بفتحة عدسة ب/22 وتعريض مدته 30 ثانية. لاحظ كيف يكون الطفح النجمي عند مصادر الضوء في حالة استعمال فتحة ضيقة مثل ب/22 مع التعريض الطويل.


التركيز الأمثل (Hyperfocus)

وهو مصطلح يطلق على مركب المسافة وفتحة العدسة اللذان يوفران أكبر عمق ميدان ممكن. يفيد مبدأ التركيز الأمثل مصوري المساحات كثيراً (وأنا شخصيا استخدمه في تصوير المشاهد المستعرضة)، وهو يفيد كذلك عند تصوير المساحات ليلا بالذات، حيث يمكن الاستغناء عن التركيز الآلي (الذي يحتاج إلى بعض الضوء ليتم عمله). بهذا المبدأ يمكن العمل مع بعض الطمأنينة بأن المشهد سيكون في نطاق جيد من الحدة.
يمكن استخدام هذه الطريقة بشكل سهل جدا إذا ما كانت العدسة تحتوي على حلقة تركيز تتوفر فيها معلومات عن المسافة وفتحة العدسة (وبدقة أكثر: مجال فتحة العدسة). في مثل هذه العدسات كل ما على المصور هو تحريك علامة اللانهاية لتتطابق مع العدد البؤري أو رقم فتحة العدسة على اليمين، وسيكون العدد المطابق لنفس الفتحة على اليسار هو نقطة بداية مدى الحدة. في الغالب لا تـُكتب جميع الأعداد البؤرية على حلقة التركيز (إلا في أنواع خاصة منها)، ولكن بعض الفتحات الأساسية مثل «ب/8» و«ب/16».

صورة توضح مدى التركيز الأمثل عند فتحة ب/8 على عدسة كانون 15مم عين السمكة.
عند تثبيت مدى اللانهاية عند «8» على اليمين، يبدأ المدى من نصف متر تقريبا (على اليسار). عند ضبط فتحة العدسة في إعدادات الكاميرا نفسها يُحتاط بزيادة العدد البؤري قليلا، مثلا من ب/8 إلى ب/10 وذلك للأمان والاحتياط.


ولكن ليس لكل العدسات حلقات تركيز من هذا النوع، فبعضها لا يظهر غير المسافة (أو إذا كانت العدسة يدوية تماما فسيكون هناك حلقة للتركيز وحلقة لضبط الفتحة) ولا يظهر المدى. الحل لهذا النوع من العدسات هو استخدام معادلة بسيطة، بل إنه قد تم تطوير بعض التطبيقات للهواتف الذكية وغيرها لعمل اللازم للمصور. شخصيا لا أمتلك إحدى هذه الهواتف وأعتمد على الرياضيات هنا (وهذا سبب آخر لاحتواء آلة حاسبة مع باقي العدة). إحدى العدسات المفضلة لدي، وهي روكينون 8مم عين سمكة، لا تمتلك هذه الحلقات ويكون لزاما علي استخدام بعض الرياضيات:

تأ ≈ ب2÷(ع×د)؛*

حيث «تأ» هو التركيز الأمثل وهو المطلوب، و«ب» هو البعد البؤري للعدسة، و«ع» هو العدد البؤري أو الفتحة، و«د» هي ما تسمى بدائرة الغشاوة (circle of confusion) وهي عدد ثابت يعتمد على نوع الكاميرا ويمكن البحث عن هذا العدد في بعض المواقع التي تحتوي على قوائم لمختلف الكاميرات. لكاميرات كانون إيوس 7د يكون هذا العدد هو «0,019» أو «0,018»، والنتيجة لا تختلف كثيرا بين هذين العددين. لا حظ إن كل الأعداد هنا بوحدة المليمتر. لنضرب مثلا على ذلك:

لو كنت مستخدما لعدسة روكينون 8مم عين سمكة، فإلى أي مسافة علي أن أضبط التركيز لو كنت مستخدما فتحة «ب/16»؟
الجواب: 28 ÷ (16×0,019) = 210,526مم، أي علي ضبط المسافة على ما يقارب 211مم، أي ما يقارب 0,21 من المتر للحصول على التركيز الأمثل. تكون حلقات التركيز في جل العدسات معنونة بالمتر والقدم، لذا يجب تحويل الناتج إلى وحدة الأمتار. قد لا تكون هذه المسافة ممكنة على حلقة المسافة في العدسة (حيث تكون أصغر من أصغر قيمة على الحلقة)، فيُكتفى عندئذ بأصغر مسافة موجودة على الحلقة، ونظريا، هذه المسافة من ضمن المدى المطلوب، لأن المدى سيكون من منتصف هذه المسافة المحسوبة إلى اللانهاية (نظريا)، أو يمكن تصغير العدد البؤري وحساب مسافة التركيز الأمثل مرة أخرى.

حلقات ضبط المسافة وفتحة العدسة على عدسة روكينون 8مم عين السمكة، وهي عدسة يدوية تماما.
لاحظ عدم وجود مؤشر للمدى، بل مجرد مؤشر واحد يعين المسافة، ومقدار العدد البؤري.


أما في حالة العدسات التي لا تتوفر فيها أي معلومات عن المسافة، فمن الأفضل عدم استخدامها في حالات تصوير المساحات، ولكن هناك قاعدة تقريبية تقول: ركّز على ثلث المسافة من أسفل المشهد، مع استخدام فتحة ضيقة (أي عدد بؤري عالي) نسبياً. يقول بعض الخبراء إن هذه القاعدة تعمل بشكل حسن معظم الأوقات.

التركيز على الثلث الأسفل من المشهد (المشار إليه بالأسهم الزرقاء) مع استخدام عدد بؤري عالٍ نسبياً يساعد على تحقيق التركيز المطلوب لجُل المشهد في العدسات التي لا تحتوي على حلقة لضبط المسافة (أي حلقة من غير تعيين المسافة عليها على العدسة).
Path of The Rainbow (درب قوس قزح)
50مم، ب/16, 2ث, ح100.
مدينة الأحمدي، الكويت.


جدير بالذكر إنه في الحالتين الأوليتين من العدسات، يُفضل دائما بعد ضبط فتحة العدسة (أو بعد حساب المسافة في الحالة الثانية) – يفضل أن يزيد المصور من العدد البؤري بمقدار ثلث أو ثلثي خطوة وهذا من باب صمام الأمان (أو الاحتياط واجب كما يقال)، حتى يضمن دخول حدة الصورة في المدى المطلوب.

*تستخدم علامة «تقريبا يساوي: » هنا بسبب حذف الحد الثاني من المعادلة (وهو «+ب») وذلك لصغره مقارنة بالحد الأول من المعادلة بحيث إنه لا يُحدث أي تغيّر ملحوظ في الناتج النهائي، ولذا فإن حذفه لتبسيط المعادلة أمر ممكن.

البوكـِه (Bokeh)

«البوكه» هو مصطلح ياباني (暈け)، وقد انتشر في سنوات العقد الأخيرة في عالم التصوير (بالتحديد انطلاقا من عام 1997 بحسب معلومات الويكيبيديا)، وفي اللغة اليابانية فإن الكلمة تعني «الغشاوة»، أي عدم وضوح شيء ما، مادياً كان أم فكرياً. انتشر هذا المصطلح للدلالة على تقنية معينة يستخدمها المصورون لعزل الموضوع عن محيطه عن طريق إضفاء غشاوة متعمدة على الخلفية، وهذا الأمر يتطلب فتحة عدسة كبيرة (أي عدد بؤري منخفض). بالرغم من محاولات «تقنين» هذا المؤثر لمحاولة دراسته علميا، إلا أنه لا يوجد هناك طريقة علمية لشرح ما هي الظروف الملائمة بالضبط، على أن العدد البؤري المنخفض، والمسافة المناسبة بين الموضوع والخلفية، وكذلك المسافة المناسبة بين الموضوع ومستوى الصورة (أي المستشعر حيث تتشكل الصورة)، ونقاوة وطريقة صناعة العدسة – كل هذه الأمور تعتبر عوامل مساعدة. من أفضل الخلفيات المناسبة لهذا العمل، هي الخلفيات التي تحتوي على مصادر ضوء تكون نـُقطية نوعا ما، حيث يجعلها هذا المؤثر تشكل ما يشبه الهالات خلف الموضوع المراد تصويره. ربما من الممكن تعريب هذا المؤثر إلى «تغشية»، كونه عبارة عن غشاوة تكون في أغلب الأحيان متعمدة.

Electric Sakura (ساكورا كهربائية)
50مم، ب/1,6، 1/250 ث، ح100.
لاحظ الخلفية والهالات المتكونة من المصابيح الصغيرة في الخلفية وهي تقريبا دائرية، مع العلم أن فتحة العدسة مثمنة.


قد تكون أدنى قيمة للأعداد البؤرية لعدسة ما هي الأنسب لعمل هذا المؤثر، ولكن في الحقيقة ليس دائما. وذلك لأن الموضوع في بعض الأحيان يحتاج إلى زيادة طفيفة في عمق الميدان لاحتواء معظم تفاصيله، وهذا بالطبع يعتمد في المقام الأول على مسافة الموضوع عن الكاميرا (أو المستشعر بدقة أكثر) وكذلك على ماهية وشكل الموضوع. أما المسافة بين الموضوع والخلفية فيفضل دائما أن تكون بعيدة، ولكن البعد المناسب يختلف باختلاف العدسة المستخدمة.
تتخذ هذه الغشاوة عند تشكلها شكلا مشابها لفتحة العدسة؛ أي لو كانت فتحة العدسة خماسية، فإن الغشاوة ستكوّن هالات خماسية الشكل، وإن كانت الفتحة سباعية تشكّلت هالات سباعية، وهكذا؛ ذلك بالطبع لو كانت الخلفية تساعد على تشكّل الهالات. ولعل من الخدع المعروفة في هذا المجال هو تشكيل غشاوة بأشكال مختلفة عن طريق تغطية مقدمة العدسة بورق أسود يكون قد قـُطع بالشكل المرغوب، وبهذا تتخذ الغشاوة هذا الشكل المقطوع قبل دخول الضوء إلى العدسة. وهناك عدسات أخرى من نوع خاص تـُشكل غشاوة ذات شكل مختلف بسبب طبيعة صنع العدسة، ولعل من أبرز هذه العدسات هي ما تسمى بـ «العدسة المرآة» أو «العدسة الانكسارية»، وهي عدسة تتشابه في تصميمها مع تصميمات التلسكوبات الانكسارية التي تـُستخدم المرايا في صناعتها. بسبب طريقة التصنيع هذه، تكون الغشاوة على شكل حلقة (وتدعى أحيانا بـ«الدونات» Donut، نسبة لمعجنات الدونات). من الممكن كذلك عمل الغشاوة بطرق متعددة بشكل رقمي على الحاسوب عند تحسين الصورة ولكنه لن يكون بالقدر المتقن كما لو كان طبيعيا، على أن ذلك ممكن مع العمل الشاق!

Eigen (مميز)
50مم، ب/1,4، 1/15 ث، ح100.
في هذه الصورة  استخدمت ب/1,4 وهي أصغر عدد بؤري في هذه العدسة، أي إن الصورة التقطت بأقل عمق ميدان ممكن.
بالرغم من نجاح عملية التغشية نسبيا إلا أنه من المفترض أن يُزاد العدد البؤري بثلث أو أكثر قليلا ليضم عمق الميدان حواف الزهرة!


في التصوير المجهري (Macro)

في هذا النوع من التصوير يتم تكبير الأشياء، وفي الحقيقة إن التسمية قد تختلف بين مستخدمي هذه التقنية في التصوير؛ البعض قد يطلق عليها اسم «ماكرو» (Macro)، أو «مايكرو» (Micro)، والمنطق في كـِلا الحالتين صحيح، وعلى أي حال سنعرب هذه التقنية إلى «التصوير المجهري».
هذا النوع من التصوير يتم بأكثر من طريقة؛ فهو يكون إما بعدسة مخصصة لهذا الغرض، أو عن طريق استخدام الامتدادات خلف العدسة (أي تكون بين العدسة والكاميرا)، أو عن طريق وصل العدسة عكسيا بالكاميرا (ويتطلب ذلك محوّل خاص)، وأيضا يمكن وصل عدستين عكسيا ببعضهما البعض ومن ثم وصلهما بالكاميرا. على أية حال، ليس الموضوع هنا شرح هذه الطرق ولكن استيضاح علاقة هذا النوع من التصوير بعمق الميدان.
إن من أشد المشاكل التي قد تواجه المصور أثناء العمل مع هذا النوع من التصوير هو عمق الميدان، وذلك لقرب المسافة من الموضوع نسبيا وانخفاض مجال زاوية العدسة. لذلك ينصح الخبراء في هذا النوع من التصوير بأنه من الواجب أن لا تقل فتحة العدسة عن «ب/8» للحفاظ على بعض الحدة في الصورة تحت إضاءة مناسبة.
للحصول على حدة أكبر، من المفترض أن يزيد المصور من العدد البؤري (أي يضيّق فتحة العدسة)، وهنا يجد المصور نفسه في مأزق حيث أن كمية الإضاءة لن تكون كافية للحصول على صورة مقبولة، بل وأحيانا حتى أكبر عدد بؤري لن يكون كافيا للإحاطة بكل تفاصيل الموضوع (ويعتمد ذلك على نوع الموضوع طبعا). لذا،وُجدت هناك بعض الحلول لهذه المعضلة:

1. التعريض المطول (بعض الشيء). هنا طبعا يجب على المصور استخدام الحامل (بل يجب عليه ذلك في كل الأحوال). تكمن المشكلة في هذه الطريقة فيما لو كان الموضوع متحركا (كحشرة مثلا أو زهرة يحركها الهواء)، فهذه الطريقة لن تنفع.

2
ومّاض حلقي من كانون نوع MT-24EX
المصدر
.
استخدام الومّاض (الحلقي أو المحمول).اشتهر الومّاض الحلقي (Ring Flash)، والذي يـُثبت في مقدمة العدسة، في عالم التصوير المجهري وذلك لحل مشكلة الإضاءة وتوفيره الإضاءة المناسبة للموضوع حيث يتم إطلاق الوميض من مقدمة العدسة. تتنوع أنواع الومّاضات الحلقية، فمنها المحترف (أغلى سعرا طبعا)، وهناك النوع الرخيص الذي بالكاد يعتمد على الصمامات الضوئية. ويمكن استخدام الومّاض المحمول كذلك (عن طريق وصله سلكيا أو لاسلكيا بالكاميرا) ولكن بهذه الطريقة سيكون اتجاه الضوء من جانب واحد ولن يغطي الموضوع بشكل متقن كما هي الحال في الومّاض الحلقي (الذي يغطي وميضه الموضوع من زوايا عدة). قد يكون من الممكن استخدام أكثر من ومّاض محمول وتوجيههم إلى الموضوع ولكن لن تكون هذه التقنية بالشكل المتقن أو المحترف، وفي الغالب من الصعب تطبيقها من دون مساعدة. يوجد كذلك بعض الإضافات (أو ما يسمى بـ«معدٍّلات الضوء») التي تضاف على الومّاض المحمول لجعله يقوم بمهام الومّاض الحلقي، ولكن طبقا لتجربتي الخاصة فإن هذا النوع لا ينفع كثيرا؛ بل في حالات معينة فقط، وهو مناسب لتصوير الشخصيات أو الوجوه (Portraiture) أكثر منه للتصوير المجهري.

مُعدّل ضوء حلقي، حيث يتم تمرير العدسة من المنتصف
ويُثبت الومّاض المحمول من الخلف (وهو مثبت على الكاميرا طبعا).
يتركب المعدل بمادة عاكسة من الداخل بحيث تجعل
كافة الحلقة تضيء عند استعمال الومّاض من خلاله.
المصدر


3. التكديس البؤري (Focus Stack). تعتمد هذه الطريقة على المعالجة الرقمية في بعض البرامج، ولعل من أشهرها الآن هو الفوتوشوب (مع وجود برامج أكثر تخصصية من الفوتوشوب في هذا المجال). في هذه التقنية، يمكن للمصور تصوير الموضوع بفتحة واسعة نسبيا (أي عدد بؤري منخفض) ولكن مع تحريك الكاميرا إلى الأمام أو الخلف من غير تغيير التركيز، ولهذا فإن هذا العمل يتطلب رأسا خاصا للحامل يسمى بـ«السكة» (Rail)؛ وهو رأس يمكن معه تحريك جسم الكاميرا نفسه إلى الأمام والخلف بدقة عن طريق لف بعض البراغي، من غير لمس حلقة تثبيت التركيز على العدسة. يوفّر هذا الرأس الحركة الدقيقة إلى الأمام أو الخلف بحيث يمكّن المصور من التقاط أكثر من صورة للموضوع (مع فتحة واسعة) مع تحريك عمق الميدان خلال الموضوع، وبهذه الطريقة تكون لدى المصور العديد من اللقطات للموضوع مع اختلاف موضع عمق الميدان بالنسبة للموضوع. توضع هذه الصور في البرنامج (الفوتوشوب على سبيل المثال)، أو إن صح التعبير «تــُكدس» ويقوم الحاسوب بعمل اللازم من تحليل الصور ودمجها لتكوين صورة ذات عمق ميدان أكبر من تآلف الصور السابقة. قد تكون الطريقة مطولة بعض الشيء، ولكن هناك بعض المحترفين الذين استخدموا هذه التقنية لتصوير حتى الحشرات! يتطلب التصوير بهذه التقنية سكة جيدة وثابتة وعملا سريعا وهادئا إذا كان الموضوع متحركا كحشرة. لكنني أشك إنه ينفع في حالة تحرك زهرة في مهب الريح!

الكاميرا مثبتة على رأس من نوع السكة (المشار إليه بالسهم الأحمر). لاحظ وجود مسطرة أو تقسيمات على القاعدة وهي بالمليمترات لتحريك الكاميرا بالتدريج بدقة. هذه السكة من انتاج شركة «مانفروتو» الايطالية، وهي شركة مشهورة بانتاج الحوامل والرؤوس للكاميرات.


عدد من الصور الملتقطة باستخدام السكة مع فارق مليمتر واحد بين صورة وأخرى، وعددها 47. الفتحة المستخدمة هنا هي ب/2,8 وذلك للتوضيح فقط حيث إنه من الأنسب استخدام ب/8 أو أكثر.
 
الصورة النهائية بعد دمج السبع واربعين صورة المبينة أعلاه.
يبدو في الدائرة الحمراء خطأ في الدمج لعله ناتج من تحريك السكة لأكثر من مليمتر أو أقل. هذه الأخطاء عند الدمج في الفوتوشوب شائعة.

لعل من الأساليب الثلاثة المذكورة أعلاه، الأنسب هو الومّاض الحلقي، ولكن عالم المصورين المحترفين لا يعرف الحدود عند هذه الأمور، والتجربة خير دليل على تفوق تقنية ما على الأخريات. فالحرية هنا للمصور لاختيار الأنسب لعمله.
يمكن للمصور التعرف إلى العمق المنشود عن طريق ضغط زر خاص يكون عادة على يسار مـَرْكـَب العدسة (أي المكان الذي توصل به العدسة إلى الكاميرا، على جسم الكاميرا نفسه)، من الأسفل. يقوم هذا الزر بغلق فتحة العدسة بحسب العدد البؤري المضبوط، وذلك لأن العدسات الحديثة (الآلية) لا تقوم بغلق الفتحة كما ضبطها المصور إلا عند التقاط الصورة فقط. عدا ذلك، فإن فتحة العدسة تكون مفتوحة على مصراعيها لتمكين المصور من النظر بوضوح (من خلال العينية أو المشاهدة الآنية). عند ضغط هذا الزر يصبح المنظر معتما بحسب المقدار المضبوط (إذا كان العدد البؤري المضبوط عاليا فإن العتمة تكون أشد)، ولكن يمكن للمصور مشاهدة عمق الميدان رأي العين قبل التقاط الصورة. يحتاج الأمر إلى بعض التمرين والاعتياد، حيث أن النظر من خلال العتمة والحكم على عمق الميدان لن يكون سهلا. بمجرد ترك هذا الزر سيرجع الأمر إلى ما كان عليه.

زر فتحة العدسة أو عمق الميدان (في الدائرة الحمراء).


الخاتمة

أرجو أن لا أكون قد نسيت بعض النقاط المهمة في هذه المقالة عن دور فتحة العدسة في التصوير بمختلف أنواعه. إن فتحة العدسة من الأمور تشكل اللبنة الأولى في التخيل والتركيب التصويري، بل من الممكن القول بأن الصورة ذاتها من الممكن أن تتحول من صورة عادية إلى صورة تشد الانتباه بتغيير طفيف في فتحة العدسة. حتى نلتقي في الاسبوع القادم إن شاء الله…

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق