الثلاثاء، 23 ديسمبر 2014

الدير (Kylemore Abbey) …

سأتطرق في هذه المقالة للحديث عن بقعة أخرى قمت بزيارتها في إيرلندا، وهي وإن كانت بعيدة بعض الشيء إلا أن هذه البقعة تتبع لمحافظة غالواي. كما هي الحال مع قلعة آشفورد الواقعة على مشارف قرية كونغ في مقاطعة مايو، والتي يستغرق الطريق إليها ما يقارب الساعة والنصف، فإن دير كايلمور يقع في الغرب من محافظة غالواي ويبعد كذلك ما يقارب الساعة والنصف من محل السكن. كانت هذه المرة الأولى التي أزور فيها هذه المنطقة.

 
خريطة تبين موقع الدير (الدائرة الزرقاء) بالنسبة لبلدة أوغترارد (الدائرة الحمراء) حيث محل إقامتي. يمثل الخط الأصفر الطريق العام ن59.
أنقر للتكبير
يقع الدير في منطقته الخاصة، أي ليس تابعا لأي قرية أو بلدة، وقد تأسس على أرض قلعة كايلمور على أيد بعض الراهبات البلجيكيات اللائي كن قد هربن من أهوال الحرب العالمية الأولى. تعني «كايلمور» بالإيرلندية «الغابة الكبيرة» وفي الأصل كانت «نا كِلّه مُوْوِره» (na Coille Móire) فتم أنجلزة الاسم (أي تحويل نطقه إلى ما يناسب اللفظ الإنجليزي) إلى «كايلمور» (Kylemore).
Glas ar An mBóthar (خَضار على الطريق)
مشهد عام لأحد الطرق الريفية باتجاه الدير. التقطت من سيارة الأجرة.
يمر الطريق إلى كايلمور بالعديد من التضاريس والقرى، ولعل من أبرز هذه القرى هي قرية تسمى بـ «ريسّيس» (Recess)، وأصلها بالإيرلندية «سْريه سايلاخ» (Sraith Saileach)، وتعني «جدول الصفصاف». لم أتجول في هذه القرية ولكن ما يميزها هو تمثال أقيم على مشارفها يمثل عملاقا يدعى «كون نا مارا»، وقد يترجم الاسم إلى «كون ابن البحر» (Conn na Mara)، ويبدو بأن الإقليم بحد ذاته قد سمي نسبة إليه (Connemara). لا أعلم في الحقيقة ما قصة هذه الشخصية (الأسطورية) بالذات، ولكني علمت مؤخرا بأن هناك أسطورة تقول بأن لمس يد التمثال تهب الشخص البلاغة والنبوغ، والحقيقة أن هناك أساطير مشابهة في إيرلندا، كأسطورة تقبيل حجر «بلارني» (Blarney Stone) وهو حجر موجود في قلعة تحمل نفس الاسم تقع بالقرب من مدينة كورك (Cork) في الجنوب الإيرلندي. على أية حال، لم أتمكن من التقاط الكثير من الصور، بل مجرد بعض الصور التوثيقية له، وتابعنا الطريق نحو كايلمور.

Conn na Mara (كون نا مارا)
صورة توثيقية عامة للتمثال الرابض على مشارف قرية ريسّيس.

عند الوصول إلى الدير قمت بالتقاط صورة تقليدية للمكان، والتي يلتقط السائحون مثلها آلاف المرات كل يوم، وهي باستخدام عدسة مقربة لعزل الدير عن محيطه نوعا ما. ثم تابعت الطريق للدخول إلى محيط الدير (والدخول يكون بتذكرة مدفوعة). أول ما لفت انتباهي هو تمثال يمثل السيد المسيح (ع)* مباشرة عند الدخول إلى الباحة المؤدية إلى الدير، فحاولت التقاط بعض الصور للتمثال مع بعض العزل باستخدام عمق ميدان صغير، إلا أن الأمر لم يفلح تماما واضطررت لاحقا (بعد العودة إلى الوطن) أن أعمل على زيادة هذا العزل بشكل رقمي.

*جدير بالذكر بأن اسم السيد المسيح (ع) باللغة الإيرلندية هو (Íosa) وتنطق «إيسا» وهي شديدة القرب من اللفظ العربي للاسم (عيسى)، لدى المسلمين العرب بالطبع. 

Na Coille Móire (كايلمور)
صورة للدير قبل الدخول إلى الباحة.
 
An Múinteoir (المعلم)
رغم استخدامي لفتحة ب/1,4 لزيادة الغشاوة إلى الخلفية،
إلا أن الأمر تطلب التعديل الرقمي لاحقا لزيادة هذه الغشاوة.
أنقر للتكبير
عند المثول أما الدير ذاته يخيل للرائي بأن حجمه قد تقلص، حيث أنه يبدو كبيرا بعض الشيء عند النظر إليه من مسافة بعيدة ولكن الأمر لا يبدو كذلك عند الوقوف أمام الدير. بدأت العمل مباشرة على تجهيز الأدوات لصنع مشهد مستعرض وقد قضيت وقتا ليس بالقصير محاولا أن أجعل الكاميرا على خط واحد مع منطقة الوسط في الدير (مع باب الدير بشكل أدق). هذا التنسيق يساعد على منح الصورة النهائية بعض القوة عن طريق استخدام مبدأ التماثل علاوة على بعض الأمور التقنية الأخرى التي لا يمكن شرحها الآن، ولكن يكفي القول بأن الإزاحة ولو لبضع سنتيمترات في المنتصف قد يؤدي أحيانا إلى اختلال التوازن في المشهد المستعرض في النهاية، خصوصا عند استخدام بعض المناظير المعينة؛ ولا يمكن إصلاح الأمر دائما بشكل رقمي، ولهذا يجب العمل قدر المستطاع على التركيز وقت العمل وجعل منطقة المنتصف متراصة ومتناسقة (هذا بالطبع يعتمد على هندسة المكان المعمارية أولا وآخرا).

Mainistir na Coille Móire (دير كايلمور)
حاولت قدر المستطاع أن أجعل الخطوط العمودية للدير متوازية للمحافظة على استقامة الدير.
 
Idir Dhá Tailte (بين أرضين)
منظور آخر للدير ويلاحظ عدم الاحتفاظ باستقامة الخطوط العمودية للدير من أجل التأثير في المنظر العام والإيحاء بالسيريالية نوعا ما. يساعد هذا المنظور كذلك على إظهار السماء بشكل أفضل وصنع نوع من التباين في الأحجام (نظريا) بين الأرض والسماء من جهة، والدير من جهة أخرى.


بعد الانتهاء من هذا المشهد المستعرض قمت بمحاولة بسيطة لالتقاط صورة بمرشح الأشعة تحت الحمراء (كوداك) لا لشيء سوى الاختبار، وقمت بعدها بالتقاط بعض التفاصيل المعمارية من الواجهة. لقد كان من الممكن الدخول إلى الدير ولكن حجم وكمية أدواتي لم تكن لتسمح لي بالتحرك بسهولة في الداخل علاوة على إزعاج مرتادي المكان (وكوني بمفردي فلم يكن بالإمكان ترك بعض أدواتي خارجا والدخول بالكاميرا فقط). على إنني اكتفيت بهذا المقدار وتابعت مسيري نحو الكنيسة القوطية.

صورة بمرشح الأشعة تحت الحمراء لواجهة الدير بعدسة كانون 15مم عين السمكة. استغرق التعريض ما يقارب التسع دقائق بحساسية 100.

نفس الصورة أعلاه دون تحويل الصورة إلى الأسود والأبيض.
تم تقويم الخطوط العمودية هنا حتى تكون متوازية
(مع قطع الصورة لحذف بعض التفاصيل)
أنقر للتكبير
تبعد الكنيسة القوطية ما يقارب العشر دقائق مشيا على الأقدام، يكون السائر خلالها على ضفاف البحيرة (بحيرة پولّاكَپول Pollacapall). ويوجد كذلك على الطريق بعض الشلالات الصغيرة المصطنعة والتي حاولت أن التقط لها صورة بالتعريض المطول، ولكن الأمر لم ينجح علاوة على صعوبة التكوين. من الصعوبات المتعلقة بالتعريض المطول في وضح النهار هو احتياج مرشح حيادي شديد العتمة، وإن كان من الممكن استخدام عدة مرشحات فوق بعضها البعض لزيادة العتمة. إن استخدام مرشحات عديدة فوق بعضها البعض قد يؤدي في معظم الأحيان إلى صبغ الصورة بلون معين وهذا الأمر قد لا يمكن إصلاحه لاحقا أو قد يتسبب بنقاوة منخفضة للألوان الطبيعية في الصورة.

منظر عام للطريق المؤدي إلى الكنيسة القوطية من الدير.
 
نرى على اليمين الصورة الأصلية بعد التعريض بعدة مرشحات حيادية (لمدة 65 ثانية)، وعلى اليسار نفس الصورة بعد تعديل الألوان قليلا. تحتاج الصورة الكثير من التعديلات للحصول على ألوان مقاربة للحقيقة ولهذا لا ينصح باستخدام عدة مرشحات حيادية مكدسة فوق بعضها البعض.
An Aingeal ag Fanacht (الملاك المنتظر)
من التفاصيل المعمارية فوق بوابة الكنيسة.
تم زيادة الغشاوة إلى الخلفية رقميا.
أنقر للتكبير
عند الوصول إلى الكنيسة القوطية، وهي كنيسة صغيرة الحجم تتميز بالطابع القوطي الفذ (خطوط عمودية متقاربة وطويلةقمت بالتقاط بعض التفاصيل من الخارج وعكفت بعدها على اختيار بقعة مناسبة للقيام بمشهد مستعرض لهذه الكنيسة (من الخارج فقط). لقد كان اختيار الموقع أمرا صعبا نسبيا، وذلك لكون الكنيسة على مرتفع بسيط وليست على أرض منبسطة، وكذلك بسبب التفاصيل في واجهة الكنيسة والتي قد لا تظهر لو تم تصوير المشهد من أمام الكنيسة مباشرة. لهذا السبب لم أجد بـُدًّا من الابتعاد عن الكنيسة قليلا واختيار زاوية جانبية وذلك لإظهار التفاصيل قدر المستطاع. لقد كان المكان يعج بالزوار ولكن الأمر لم يمثل مشكلة كبيرة لاحقا، حيث أن تقنية النطاق العالي (HDR) قد ساعدت على حذف الأجسام المتحركة بشكل كبير.

An Eaglais Ghotach (الكنيسة القوطية)
لاحظ أنه لو كنت قد التقطت هذا المشهد المستعرض من أمام الكنيسة ذاتها لتراكمت بعض التفاصيل فوق بعضها البعض مما يؤدي إلى إرباك النظر.

بسبب ارتفاع أرض الكنيسة قليلا، فقد كان أمر تحديد خط الأفق والذي يجب أن يكون خطا مستقيما بلا أي انحناءات وفي منتصف الصورة – كان أمرا عصيا على التحديد بدقة. لهذا السبب فقد كان جل اهتمامي قد انصب على جعل الخطوط العمودية للكنيسة متوازية قدر المستطاع، مما جعل الأطراف تمثل منحدرا (وهذا بالطبع ما كان على أرض الواقع). على أية حال، فإن الأمر لاحقا (بعد العودة إلى الوطن) لم يتوقف عند حد المشهد المستعرض البسيط (أو المسطح إن صح التعبير). بل إن هناك مناظير أخرى مثيرة أمكن تنفيذها لنفس المكان. وكما كان الحال مع الدير فإنني لم أحبذ فكرة الدخول إلى الكنيسة مع ما أحمل من أدوات حتى لا أزعج أحدا (لا سيما المصلين!).

An Gotach Sníomhach (القوطي الملتف)
مشهد طولي لنفس المشهد المستعرض أعلاه بمنظور ميركاتور رأسي.
 بعد الانتهاء قررت الرجوع ولو كان بالإمكان إكمال المسير (إلى مكان ما لا أعرفه من بعد هذه الكنيسة)، لكن التعب أخذ مأخذه مني، علاوة على عدم معرفتي بالمكان من بعد هذه الكنيسة ولا كم من الوقت الذي قد استغرقه بالمشي! قد تم إبلاغي عند شراء التذكرة بأن هناك حافلة خاصة للزوار حيث تنقلهم إلى حدائق كايلمور، ولكنني لم أركبها حتى لا أبتعد كثيرا عن سيارة الأجرة التي كانت بانتظاري طوال الساعتين تقريبا.

الخاتمة

أتمنى أن تحوز هذه المقالة القصيرة على رضى عزيزي القارئ وأن تكون ذات فائدة تذكر. لم أشأ الدخول في الكثير من التفاصيل التقنية المتعلقة ببعض أمور التصوير كون هذه المقالة متعلقة برحلتي أكثر منها بطرق التصوير، على إنني أتمنى أن تكون بعض هذه المعلومات المذكورة هنا ذات فائدة للقارئ. هذا، وحتى نلتقي في المقالة القادمة إن شاء الله…

Feiceann an Aingeal (الملاك يرى)
إحدى التفاصيل المعمارية فوق بوابة دير كايلمور.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق