الأربعاء، 25 أبريل 2018

قصة صورة…


الحمد لله أولا وآخرا. تم مؤخرا إعلان النتائج النهائية لمسابقة النمسا الدولية، أو ما يسمى أحيانا بـ «رابطة تريرنبيرغ» (Trierenberg Circuit)، وتبين حصولي على الميدالية الذهبية في فئة «البانوراما». الصورة أعلاه مقتطفة من صفحة إعلان النتائج، ولا أعلم في الحقيقة إذا ما كان وضع اسمي أولا في القائمة له أي دلالات أو أفضلية. أما البانوراما الفائزة فلها قصة مميزة سوف أسردها في الأسطر القادمة بعد قليل. ولكن أولا علينا أن نلقيَ نظرة عليها:



يتيح موقع 360Cities هنا واقعا افتراضيا يتم إنشاءه من صورة البانوراما العادية، كما يتيح لمستخدمي الهواتف الذكية التمتع بالواقع الافتراضي عن طريق تحريك الهاتف، حيث ستتحرك الصورة مع تحرك الهاتف.
الحق يقال بأن الخبر كان مفاجأة حيث أنني وبالرغم من اشتراكي في هذه المسابقة في السابق، لم أكن أتوقع أكثر من الحصول على بعض النقاط والقبول لبعض الصور. كان اشتراكي في المقام الأول من أجل إبراز ونشر صورة البانوراما هذه التي تمثل الكثير بالنسبة لي؛ فلم يكن يهمني حقيقة الفوز بأي شيء، عدا إثارة فضول الغرب بحقيقة هذا الرجل وماهيته: عبدالحسين عبدالرضا. فهذا الرجل يمثل الكثير للكويتيين وعلامة بارزة في تاريخ الكويت بشكل عام، وليس في الفنون فقط، ويمثل الكثير لي شخصيا كالنجمة التي تدل المسافر على الطريق. ولهذا السبب، قمت بتغيير اسم هذه البانوراما من (The Smile Giver) «واهب البسمة» إلى (The pride of my homeland) «فخر بلادي» عند رفع الصورة لهذه المسابقة الدولية.
عادة لا أتطرق إلى الأمور والقصص التي أواجهها عند التصوير في هذه المدونة ما عدا تلك المتعلقة بتقنية ما أو بدرس معين له علاقة في التصوير، ولكن لهذه البانوراما بالذات قصة خاصة لا ضير أن أحكيها في هذه السطور:
كانت فكرة البانوراما من داخل هذا المسرح، مسرح عبدالحسين عبدالرضا (مسرح السالمية سابقا)، في مخيلتي قبل وفاة هذا الفنان العظيم في أغسطس من عام 2017. بعد وفاته، آثرت العمل سريعا لتنفيذ هذه الفكرة التي كانت تراودني كنوع من العرفان بالجميل لهذا الرجل، والذي لا يزال الكثير في صدمة من رحيله المفاجئ عنّا. الصعوبة هنا تكمن في محاولة التصوير في هذا المكان وليس في التصوير نفسه، حيث أن الكثير من الأماكن في الكويت (حتى تلك التي تبدو أو يفترض بها أن تكون «عامة») يتطلب ترخيصا خاصا للتصوير. استغرق الأمر شهرا أو أكثر بقليل للموافقة على طلبي للدخول والتصوير بعد الاتفاق على تجهيز نسخة من العمل للإدارة القائمة بالإشراف على المسارح.
كان هدفي واضحا، وهو تصوير «الجدارية» التي رسمها الفنان المتألق أحمد مقيم للفنان الراحل، ولقد اكتشفت الحقيقة لاحقا وهي أن العامة كانوا يطلقون مسمى «جدارية» خطأً على هذه اللوحة – حيث أن الجدارية تكون لوحة مرسومة مباشرة على الحائط كما فعل أساطين الفن القدماء كمايكل أنجلو وغيره. في عمل كهذا، بديهيا، يجب التخطيط مسبقا لكيفية العمل وما هو المرجو من العمل، ولذلك كانت جميع أفكاري منصبة على تصوير بانوراما لجدارية مع بعض الصور الفردية بمساعدة أخي العزيز كـ «موديل» أو موضوع مساعد في الصور. تغيرت وتبدلت كل هذه الأفكار بعد إيقاني أم هذه اللوحة (والتي كنت قد وثقتها في وقت مضى) هي في الحقيقة ما تداولته العامة بمسمى «جدارية». لقد كان شيئا جيدا أن كنت قد عاينت المكان مسبقا قبل التصوير الفعلي مما أتاح لي ترتيب أفكاري مرة أخرى وإلغاء بعضها كذلك.
التغيير في الأفكار قبل العمل لا يعني عدم مواجهة المشاكل عند العمل، وذلك لعدة أسباب. أذكر أحدها هنا وهو: العين البشرية تختلف في منظورها عن العدسات المختلفة (لاسيما عدسات عين السمكة والزوايا الواسعة)، ولهذا فدراسة الموقع بالعين مباشرة قد يوحي ببعض الأفكار التي قد لا تكون مناسبة وقت التصوير الفعلي. بسبب هذا، كان من المفترض التصوير قريبا من اللوحة (بوضع الكاميرا والحامل على الدرج) ولكن أثناء العمل تبين لي بأن الكثير من عمارة المكان ستكون غائبة عن الصورة، وعليه رجعت إلى الخلف أمام الدرج، عالما بأن هذا الموقع سوف يسبب صغر حجم اللوحة النسبي للبانوراما الكاملة لاحقا – ولكنها تضحية لا بد منها. وهكذا، كان علي الابتداء مجددا بالتصوير من نقطة الصفر. ولعل إحدى الصعاب في هذا الموقع خاصة هو مراقبة شاشة الكاميرا أثناء العمل، حيث قد رفعت العمود المركزي للحامل لرفع الكاميرا إلى مستوى اللوحة تقريبا – وكان علي فعل ذلك وإلا لن تظهر اللوحة في وسط البانوراما الكلية لاحقا مع بعض التشوهات في منظور اللوحة – وهكذا، كنت أعمل وأنا على الأرض، بينما الكاميرا فوق رأسي حرفيا مع صعوبة النظر إلى الشاشة للتأكد من الصورة الملتقطة. لكن الأمر تم بسلاسة نهاية المطاف.
ربما تعتبر هذه البانوراما أول بانوراما شخصية أقوم فيها باستخدام مرشح هلامي صاد للأشعة فوق البنفسجية، حيث أني لم استخدم هذا المرشح قبل هذا في أي من أعمالي السابقة. والسبب هنا هو الواجهة الزجاجية وشدة أشعة الشمس الداخلة إلى المكان (كان الوقت بعد زوال الشمس) والتي قد تُسبب بعض الوهج وزرقة غير مرغوب بها في الصورة بشكل عام.
تختلف هذه البانوراما عن غيرها بعنصر مهم، وهو وجود عنصر بشري من ضمن تركيب الصورة (ولعل هذا ما جعلها مفضلة لدى لجنة التحكيم!). ولهذا السبب يتطلب الأمر عملا إضافيا لدمج هذا العنصر البشري في المشهد. قد يختلف نظام العمل لدى مصوري البانوراما عند مواجهة موقف كهذا، ولكني دائما أفضل العمل على التقاط الصور كاملة للمشهد ثم إضافة العنصر البشري في الموقع المناسب له في المشهد، ويجب عدم تحريك أي جسم في المشهد قدر المستطاع (في دائرة وقوف أو جلوس العنصر البشري بالطبع). لم يكن الوضع حساسا كثيرا البانوراما محل الحديث هنا، فالعنصر البشري يقف على العتبات فقط ولا يوجد جسم يمكن تحريكه خطأً. عند هذه النقطة التقطت ما يقارب 4 صور للعنصر البشري هنا في مواضع مختلفة وذلك للتقرير لاحقا أيها أفضلها عند المعاينة. ولأن العمل في هذه البانوراما كان بتقنية النطاق العالي (HDR) التي تتطلب 3 صور (على الأقل) لدمجها لاحقا، فإنه من الضروري للعنصر البشري المضاف البقاء ساكنا قدر المستطاع؛ وعلى أية حال فإن هذا الأمر لم يكن ليثير القلق بسبب أشعة الشمس الوافرة الداخلة من الواجهة الزجاجية، علاوة على استخدام عدسة ذات زاوية واسعة والتي لا تُظهر الاهتزازات بشكل واضح (إن حدثت). بعد الانتهاء من العمل، توجهت لالتقاط بعض الصور الفردية والتذكارية مع أخي. أخذ العمل (مع التجهيز للتصوير وحزم العدة بعد التصوير) ما يقارب الساعة والنصف، وكانت هذه ببساطة نهاية بانوراما عزيزة علي وقريبة من قلبي.

كانت هذه قصة البانوراما الرابحة للميدالية الذهبية، وأترك عزيزي القارئ الآن مع مجموعة الصور التي شاركت بها في هذه المسابقة والتي حاز بعضها على إعجاب المحكمين ولم يُوفق بعضها لذلك. جدير بالذكر أن عملية التحكيم تتم تبعا لعملية منظمة من قبل المحكمين (عادةً) وليس الموضوع هو جمال الصورة فقط؛ فقد يرى العامة صورة ما جميلة ولكنها في الحقيقة في نظر المحكمين تفتقر إلى الكثير، ولكن في نهاية المطاف لا يخلو الأمر من تدخل الذوق الشخصي كذلك.

Schizophrenia «انفصام الشخصية»

The Walk of Retinitis Pigmentosa
«مشي التهاب الشبكية الصباغي»
The Darker Side of TJ
«الجانب الأظلم من تي-جاي»

InfraTowers «أبراج تحت الحمراء»
(قبل التعديل)

Before The Grace «أمام البركة»

360 Mall «مجمع 360»

Triq tas-Sema «طريق السماء»

Turbulent Dream «حلم مضطرب»

Il Fante «المخادع»



الخاتمة

في نهاية هذه المقال أود أن أشكر كل من ساهم في إنجاز هذا العمل، والذي أفخر به وبشدة دون أي عمل آخر بغض النظر عن الجمال أو الأمور التقنية لما لها من قيمة نفسية وذاتية لي. بالرغم من نظرتي السوداوية بعض الشيء للمسابقات في الوقت الحالي بشكل عام – حيث يكون التركيز غالبا على العنصر البشري كوسيط لنقل المشاعر وهذا الأمر لا يتوافق مع المنطق الذي أؤمن به – لكني آثرت الاشتراك في هذه المسابقة للرفع هذه الصورة فقط دون غيرها. هذا، وقد يكون لي تجربة أخرى في مسابقات أخرى إذا سنحت لي الفرصة كذلك. وإنني لأرجو أن أكون قد قدمت شيئا لرد جزء بسيط من جميل هذا الفنان العملاق الذي أمتعنا في حياته، ولا يزال كذلك رغم وفاته مع الحزن على فقده. رحمك الله يا أبا عدنان. هذا، وحتى نلتقي في المقالة القادمة إن شاء الله…

Stock Photos from 123RF Stock Images

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق