الخميس، 2 يونيو 2022

التصوير بالثقب (Pinhole Photography)…

أود في هذه المقالة الحديث عن أحد أفرع أو أنواع التصوير وقد أصبح مندثرا تقريبا في الوقت الحالي وذلك لعدم احتوائه على الجماليات المعهودة في فن التصوير الحديث. هذا الفرع هو ما يسمى بـ «التصوير بالثقب» (Pinhole Photography)، وهو في الحقيقة أساس التصوير إذا ما قرأنا في تاريخ هذا الفن وكيفية تطور فكرة انعكاس الصور من خلال ثقب صغير (وقصة الحسن بن الهيثم معروفة في تدوينه للملاحظات الخاصة بهذه الظاهرة).

في وقتنا هذا ومع تطور الكاميرات الرقمية، أصبح التصوير بالثقب عملية «غريبة» لدى البعض إذا لم يكن كذلك لسواد الجمهور من الناس، خاصة أن هذا النوع من التصوير غالبا ما ينتج صورا غير واضحة. ولكن هنالك مجموعة من المصورين الذين يتحمسون لهذه الفكرة، بل وأصبح هذا النوع من التصوير هو الفن المعتمد لديهم! ليس هذا وحسب، بل أن الكثير من هؤلاء المحترفين لهذا الفن من التصوير يقومون بصناعة كاميراتهم بأنفسهم ويستخدمون أما الأفلام أو الورق الحساس للضوء، ومنهم من يصنع الثقب بنفسه لكاميرته الرقمية. أما أنا في حالتي، فقد قمت بشراء هذا الثقب (أو العدسة إن صح التعبير) ولم يكن خيارا مناسبا وسآتي على ذكر الأسباب لاحقا


 

في هذه المقالة، لا أنوي عرض «أعمال فنية» لكنما التعريف بهذا الضرب من فنون التصوير وانطباعي الخاص عنه بالرغم من أني لم أصور الكثير من الصور بالثقب. إنها تجربة فريدة لا تخلو من المرح أحيانا وقد يكون التصوير بالثقب هو ما يحتاجه المصور للخروج من دائرة الجمود وانعدام الأفكار أحيانا؛ فقليل من اللهو مع الكاميرا لا يضر، كما أظن!


مبادئ

قصة التصوير بالثقب تأتي مع تاريخ التصوير بحد ذاته، حيث كما هو معلوم، كانت أولى الملاحظات قد دونت في العصور الوسطى على يد العلماء آنذاك (لا سيما الحسن بن الهيثم). ويقوم مبدأ الثقب ببساطة على حصر أشعة الضوء القادمة من الجسم بحزمة صغيرة وتلقّيها على سطح عاكس أو ما شابه فتتكون لدينا صورة للجسم مقلوبة

مبدأ عمل «عدسة الثقب»
المصدر

 

تطور الأمر بعد ذلك ومع تطور الكيمياء واختراع الكاميرا (أو المُصَوِّرَة) تطورت العدسات كذلك وفيها يتم استخدام الفتحات أو البؤر لتحديد «عمق الميدان» المطلوب. وكنت قد كتبت مقالة قديمة على هذه المدونة أوضح فيها مبادئ عمق الميدان وعلاقته بفتحة العدسة أو البؤرة، لكن لا ضير أن أذكر بعض الشيء منها هنا، وإن كان عزيزي القارئ من المتقدمين في فن التصوير فلا أرى داعيا لقراءة هذه التوضيحات.

قرص بفتحات مختلفة (بؤر)
من صناعة كارل تسايص (1906م)
المصدر
تُعَنون البؤرة بالعدسات بـ «العدد البؤري» وهو ناتج قسمة البعد البؤري للعدسة على قطر الفتحة أو البؤرة، ويكتب هذا العدد بعدة طرق بالأحرف اللاتينية: f/8, f-8, f:8 وكنت قد عربته على هذه المدونة كـ (ب/8). في هذا المثال يكون العدد البؤري هو 8، والباء هنا اختصارا لـ «البعد البؤري» (كما أن الحرف f هو اختصار للبعد البؤري كذلك focal length)، والمقصد هنا من البعد البؤري هو البعد البؤري للعدسة قيد الاستعمال طبعا (أي المسافة بين العدسة ونقطة تجمع الضوء). يكون الناتج من هذه القسمة هو قطر الفتحة ولكن لأسباب عملية جرت العادة على استخدام العدد البؤري، وكلما زاد العدد البؤري كلما زاد عمق الميدان في الصورة (أي أن مجال حدة الصورة من أمام وخلف الموضوع يزيد). تبعا لهذا، فإنه كلما صغرت البؤرة فإن حدة الصورة (نظريا) تزيد، أو من الأجدر القول بأن عمق الميدان في الصورة يزيد. يُلاحظ أن أكبر عدد بؤري في غالب العدسات هو ب/22 (وهناك طبعا ما يكون أكبر من هذا بقليل).

قديما، كانت البؤرة مستديرة فعلا، ولكن مع مرور الوقت استدعت الحاجة تغييرا في النمط والتصميم، وهكذا أصبحت البؤرة تتألف وتتشكل من ألواح مكدسة فوق بعضها البعض تنغلق وتنفتح لتكوين البؤرة بالقطر المطلوب، وبالطبع القطر هنا تعبير مجازي وتقريبي لأن البؤرة المؤلفة من هذه الألواح ليست دائرة تامة في الغالب ولكنها تكون بشكل مضلع (يبلغ عدد أضلاعه عدد الألواح المشكلة له). لذا فقد يكون هذا المضلع خماسيا أو سداسيا أو سباعيا وهكذا (وهناك الرباعي كذلك!)، وهكذا كلما زاد عدد الألواح زاد اقتراب هذا المضلع من الشكل الدائري. ومع اختلاف هذا التصميم ظلت الطريقة في الحساب كما هي

(يمين) بؤرة عدسة روكينون 8مم (عين سمكة) عند ب/8 كما تبدو من الخلف، وهي عدسة يدوية تماما. يُلاحظ أن البؤرة فيها تتشكل من 6 ألواح مكونة شكلا سداسيا.
(يسار) بؤرة عدسة ڤويغتلاندر 20مم عند ب/5 كما تبدو من الأمام ويُلاحظ أن البؤرة تتشكل من 9 ألواح مشكلة شكلا تساعيا هو أقرب للدائرة التامة.
أنقر للتكبير.

 

لنتخيل الآن بعض العدسات وماذا سيكون قطر البؤرة فيها عند تثبيتها عند ب/22 مثلا:

 200مم: 200÷22=9,09مم

100مم: 100÷22=4,54مم

50مم: 50÷22=2,27مم

12مم: 12÷22=0,54مم

8مم: 8÷22=0,36مم


نرى هنا كم أن الأرقام بالغة الصغر! هنا يجب أن نذكر أمرا مهما وهو أن في تصاميم العدسات، لا تعبر هذه الأرقام مباشرة عن القطر الفعلي للبؤرة ولكنها للبؤرة النظرية، وهنا قد يطول الكلام ولكن باختصار يعبر هذا العدد عن البؤرة الفعالة للعدسة مع تأثير العناصر الزجاجية في العدسة (من تكبير وتصغير).

لا يهمنا الآن الكلام عن كل هذه الرياضيات ولكن لنا أن نتخيل ماذا لو استخدمنا ثقبا صغيرا للتصوير (ومن دون أي عناصر زجاجية)؟ وكما قلنا آنفا، فإن زيادة العدد البؤري للعدسة يزيد من عمق الميدان للصورة. ولكن هل هذا شيء جيد؟ الإجابة باختصار هي: كلا.

عند زيادة العدد البؤري بشكل كبير وتصغير البؤرة تباعا هناك أمر يجب أن يأخذه المصور في عين الاعتبار وهو التشتت (أو الحيود) الضوئي. لذلك بالرغم من دخول جُل عناصر الصورة في عمق الميدان ولكن قد يلاحظ المصور بعض النعومة في الصورة ونقصان في الحدة في بعض أركان الصورة وهذا عائد للتشتيت الشديد للضوء الداخل إلى العدسة. لذا يُنصح دائما بالتصوير بعدد بؤري ما بين ب/8 وب/11 حيث أن أغلب العدسات تكون أشد ما يكون حدةً في هذا المجال؛ هذا بالطبع إذا ما أراد المصور ذلك لأن عمق الميدان في الصورة هو أحد الأمور الداخلة في فكرة وتصميم الصورة كما يراها المصور، وإذا كان الأمر يتعلق بالتصوير المجهري، فإن ب/8 هي الحد الأدنى (ونادرا ما تفي بالغرض كذلك).

ومن هنا نرى بأن صغر البؤرة واتساع عمق الميدان في الصورة لا يعتبر بالضرورة أمرا جيدا. فلنا أن نتخيل الآن استخدام ثقب ومن دون عناصر زجاجية تماما! وهكذا نرى بأن مبدأ عمق الميدان وحدة الصورة هنا أمران مختلفان تماما وإن كان بينهما علاقة ما، ولكنهما غير متلازمين.


حسابات

عدسة الثقب خاصتي
وهي من انتاج Rising
ذكرت آنفا بأني قد ابتعت «عدسة» مثقوبة جاهزة لهذا النوع من التصوير. ولهذا، فإنه لم يكن لدي التحكم في قياس هذا الثقب. اكتشفت لاحقا بأن هذا النوع من التصوير محكوم بعدد من العوامل والحسابات، والتي عندما طبقتها على ما أعرفه عن هذه العدسة الجاهزة، اتضح لي بأن هناك الكثير من الفروقات. بل أن المعادلة الرئيسية لحساب الثقب غير متفق عليها تماما! سوف أحاول السرد دون الإطالة والتعقيد قدر الإمكان، وأظن أن بعضا من هذه الحسابات قد تهم القارئ إذا ما استهواه هذا النوع من التصوير على أية حال!

أما المعادلة الأساسية فهي:

ق=ث×(ب×ط)½

حيث «ق» هو قطر الثقب المطلوب، و«ث» هو عدد ثابت، و«ب» هو البعد البؤري، و«ط» هو الطول الموجي. جدير بالذكر أن (ب×ط)½ تعني الجذر التربيعي لـ (ب×ط)، وقد كتبتها بهذه الطريقة لعدم توفر علامة الجذر بالعربية.

أما فيما يخص العدد الثابت هنا فهو محل خلاف. فهناك من قد عين العدد عند (2) ومنهم من عينه عند (2½)، ومنهم من عينه عند (2,44½) وكذلك عند (1,9). يجزم البعض بأن هذه الاختلافات طفيفة ولا تكاد تُحدث فرقا كبيرا في النتائج، وعليه يمكن استخدام أيا من هذه القيم للعدد الثابت في هذه المعادلة.

أما فيما يخص البعد البؤري فهو ببساطة البعد البؤري ما بين الثقب وسطح الصورة (أي السطح الذي تتشكل عليه الصورة)، وهذا في حالة الكاميرات الرقمية سيكون البعد ما بين المستشعر والثقب (عند مستوى منصة تركيب العدسة) وهو عدد ثابت كذلك بحسب نوع الكاميرا. في كاميرات كانون 7د، هذه المسافة تقارب 44مم وسآتي على شرح بعض اللغط حول هذه المسافة.

وأما بالنسبة للطول الموجي في هذه المعادلة فقد تم الاتفاق على استخدام الطول الموجي للون الأصفر القريب من الأخضر، وهو 550نم (نانومتر) لأن هذا الطول الموجي يتوسط الطيف المرئي، ويمكن القول (نظريا) إنه الطول الموجي الأكثر انتشارا في الطبيعة من حولنا.

وهكذا، وبالنظر إلى المعطيات أعلاه، يفترض بالصورة أن تكون ذات عمق ميدان «لانهائي» نظريا، ولكن الصورة ستعاني من عدم الوضوح وفقدان للحدة بسبب التشتت (أو الحيود) الضوئي (هذا على افتراض أن العوامل الأخرى المذكورة في المعادلة أعلاه قد تمت مقابلتها بنجاح).


تجربتي

وسآتي هنا على سرد تجربتي الشخصية مع هذا النوع من التصوير وذلك بعد ابتياع إحدى هذه «العدسات» من نوع (Rising). وقد يكون من الأفضل العمل على صنع واحدة خاصة بي ولكن الإمكانات والوقت ليسا متاحين. والحقيقة أني لم أنظر بعمق إلى هذا النوع من التصوير وإلى ما يمت إليه بصلة إلا عندما ابتعت هذه العدسة أو الثقب. ذلك لأني عندما نظرت إلى أعمال بعض المصورين المتمرسين في هذا النوع من التصوير، كنت قد لاحظت فروقا جذرية، أولها الحدة (وإن كانت منخفضة إلا أنها كانت أعلى مما كنت ألاحظه في صوري). المواصفات المذكورة لهذه العدسة أو الثقب كانت كما يلي:

قطر الثقب: 0,2مم

العدد البؤري: ب/222


وهذه المعلومات متضاربة بعض الشيء. ومما يزيد من اللغط هو اعتبار المسافة بين المستشعر وحافة منصة التثبيت مساوية لـ 50مم. هذه المسافة تُسجل ضمن معلومات الصورة الملتقطة بالكاميرا (أو ما يسمى أحيانا بـ EXIF) في حال التقطت الصورة بعدسة يدوية ليس لها أي تواصل مع حاسوب الكاميرا. ولكن مع التجربة وأيضا كما ورد في بعض المصادر فإن هذه المسافة في الحقيقة لا تساوي 50مم ولكن 44مم (لكانون 7د).

لو اعتبرنا أن قطر الثقب صحيح هنا، فإن العدد البؤري على أية حال لن يكون مساويا لـ «ب/222»؛ فهو ب/250 لو كانت المسافة 50مم وب/220 لو كانت المسافة 44مم. ولكن لو سلمنا بفرضية صحة المعلومات، فلعل المسافة التي صُمم الثقب على أساسها قد تكون 44,4مم، وهي قريبة جدا من 44مم ولكني لم أرها في أي مصدر من قبل.

ومن ناحية أخرى فإن هناك بعض الحسابات الأخرى التي تبدو وكأنها في غير محلها باستخدام المعادلة آنفة الذكر والتي تُخبر عن قطر الثقب المطلوب. فمثلا، لو سلمنا بفرضية كون المسافة بين المستشعر والمنصة مساوية لـ 44,4مم، واستعملنا المعادلة بثابت (2,44½) ومع كون قطر الثقب مساويا لـ 0,2مم، فإن الطول الموجي اللازم هنا سيكون في حدود 370نم، وهو بعيد كل البعد عن الطول الموجي المعتاد في الحساب (550نم) ويقع في مجال الأشعة فوق البنفسجية! ولن يتغير هذا العدد بشكل كبير مع استخدام الثوابت الأخرى كذلك.

كان هذا فيما يخص الأمور التقنية الخاصة بالثقب. ولكن الأمر لا يتوقف عند التقنيات في فن التصوير. فبالرغم من أن الصورة قد لا تكون حادة بسبب هذه المشاكل التقنية إلّا أن هذا لا يمنع من استعمال الثقب فنيا.

ومن المشاكل التقنية كذلك هو إبراز الكثير من العوالق بشكل واضح وهو أمر يكاد يكون طبيعيا عند التصوير بالثقب بسبب عمق الميدان اللانهائي. وهذه العوالق هي في الحقيقة حبيبات من الغبار التي قد تكون على المستشعر أو على سطح عدسة الثقب وقد لا تكون هذه العوالق بارزة بالقدر الذي يكون مشكلة للصورة عند التصوير بالعدسات العادية ولكنها تكون كذلك مع التصوير بالثقب بسبب حدة الصورة (النظرية لا الفعلية) وتركيز أشعة الضوء. كنت قد حاولت في الماضي تنظيف المستشعر وعدسة الثقب ولكن دون فائدة تُذكر ولهذا فإن تنظيف الصورة عند تحريرها أمر لا بد منه، ومن قراءاتي في هذا الموضوع عن المصورين الآخرين فإن الأمر قد يبدو اعتياديا ولا بد منه على أية حال! وهناك في الحقيقة بعض البقع التي يتسبب بها الضوء ذاته وهي ليست من العوالق ولكنها تبدو كذلك وهي في الحقيقة أحد آثار الوهج أو التشتت الضوئي الشديد الذي تسببه عدسة ببؤرة بهذا القطر (ودون عناصر زجاجية لتصحيحها).


جانب من العوالق التي قد تظهر في صورة ملتقطة بعدسة الثقب.
أنقر للتكبير

من تجربتي الشخصية فإنني أكاد أجزم بأن التصوير بالأبيض والأسود (أو تحويل الصورة إلى الأبيض والأسود) هو أنسب نمط مواءمةً لهذا النوع من التصوير حيث أنه يضيف عنصرا من الغموض إلى الصورة. ومن جانب آخر، فإن تركيب الصورة يلعب دورا مفصليا في هذا النوع من التصوير (سواء كانت الصورة بالألوان أو بدونها) وذلك لغياب الحدة في الصورة، فلذا يتوجب إرساء العين وجذبها إلى العناصر الأخرى في الصورة، وأول تلك العناصر (وأكبرها) هو تركيب الصورة وترتيب العناصر فيها. جدير بالذكر كذلك بأن الصورة وإن كانت قليلة الحدة إلّا أنها قد تبدو واضحة ومفهومة المعالم عند تصغير الصورة أو النظر إليها من مسافة أبعد.

المُقْرِئ
صورة بعدسة الثقب مع الحركة
استغرقت ما يقارب الدقيقتين.
ومن جانب آخر كذلك أرى شخصيا أن بعض الحركة في الصورة تضيف نوعا من الحياة إلى الصورة وتخرجها من جمودها. والحركة هنا قد تتم بطريقتين: إما التعريض المطول وإما تركيب عدة صور. أما التعريض المطول فهو أمر لا بد منه في معظم الأحيان بسبب حجم الثقب (ولا أرى سببا في الغالب لاستعمال حساسية مرتفعة لتسريع الغالق في مثل هذا النوع من التصوير). ولكن أحيانا، وبسبب طول التعريض، يُمحى أي أثر للحركة في الصورة (خاصة إذا كانت سريعة نوعا ما) ولهذا كنت قد اضطررت في بعض الأحيان إلى دمج أكثر من صورة (وقد تكون جميعها ملتقطة بالتعريض المطول كذلك).

المُصَلّي
صورة مركبة من صور ملتقطة بعدسة الثقب
استغرقت كل واحدة منهن ما يقارب الدقيقة.
أما فيما يخص التعريض المطول، فكنت قد كتبت مقالة قديمة على هذه المدونة عنه، وهو بظنّي أسهل الآن مما كان عليه قبل بضع سنوات. فالكاميرات الجديدة تمتلك مؤقِّتا خاصا بها (غالبا) مدمجا مع وظائف الكاميرا المتعددة، وليس كما هو الحال في كاميرتي القديمة على سبيل المثال حيث أن أطول تعريض ممكن هو لـ30 ثانية ولا يمكن التصوير بسهولة لأطول من هذه المدة إلا باستخدام «المؤقِّت» (Intervalometer, Shutter Release) وهو في الحقيقة مجهز بوظائف أخرى ليست محل النقاش الآن.

ولربما كان الأمر يسيرا بالنسبة للكاميرات «عديمة المرآة» الجديدة حيث أن العينية فيها تكون إلكترونية وقد تحاكي التعريض المطلوب مع قياس مدة التعريض المطلوبة ولكني لم استخدم أي منها فلذا لا يمكنني الجزم بالأمر. أما في الكاميرات القديمة (مثل كانون 7د) فالأمر يتطلب بعض التجربة وذلك لأن الرؤية تكاد تكون معدومة، بل هي كذلك فعلا، عند استعمال الثقب للتصوير ولا بد من استخدام الشاشة الآنية في خلف الكاميرا لتحديد الصورة والتقاط بضع صور للوصول إلى تقدير لمدة التعريض المطلوبة، وسآتي على شرح الطريقة باختصار هنا قدر المستطاع:

أ- نقوم بضبط الكاميرا على وضعية «أولوية البؤرة» (أي Av)

ب- نقوم برفع الحساسية إلى أقصى حد ممكن (لكاميرات كانون 7د تكون القيمة هي 800‘12 وتعنون بـ H).

جـ- تفعيل الشاشة الآنية بالطبع (إن لم تكن مفعلة فعلا).

د- نقوم بالتقاط صورة، ونحاول النظر في تركيب الصورة وتقرير إذا ما كان تركيب الصورة وإضاءتها مناسبين، ونقوم بتغيير ما يلزم (تغيير التعريض يكون بتغيير قيمة التعريض EV بالزيادة أو بالنقصان). يلزم معاينة مخطط الضوء (أي Histogram) لتقرير مستوى الإضاءة وعدم الاعتماد على الإضاءة الظاهرة على الشاشة، فهي غير حقيقية.

هـ- بعد التقرير، نقوم بملاحظة مدة التعريض اللازمة للحصول على الإضاءة المطلوبة لحساب التعريض بعد خفض الحساسية.

و- نخفض الحساسية إلى أدنى مستوى ونحسب مدة التعريض اللازمة اعتمادا على مدة التعريض عند الحساسية المرتفعة.

لتوضيح النقطة الأخيرة سأضرب مثالا هنا: لو فرضنا أن مدة التعريض المناسبة عند أعلى حساسية (ولنفرض أنها 12800) هي نصف ثانية (0,5). فيكون التعريض عند أدنى حساسية (وهي 100) مساويا: 0,5×(12800÷100) = 64 ثانية؛ أي دقيقة وأربع ثوان. نقوم بقسمة قيمة الحساسيتين هنا لبيان فرق الوقفات أو الخطوات في الإضاءة بينهما، وكنت قد شرحت بعض هذه الطرق في السابق في مقالات قديمة.

أما فيما يخص تركيب الصورة من عدة صور لتبيان الحركة فيها فهو أمر كنت قد شرحته في مقالات منفصلة عن تصوير الحركة وإيماءات الحركة (وإن كانت دون التعريض المطول).

ملاحظة فيما يخص النقطة (د) وفيما يتعلق بتركيب الصورة فقد يمكن استخدام عدسة 50مم أولا لتوجيه الكاميرا وتأطير الصورة كما يجب ومن ثم استبدال عدسة الثقب بعدسة 50مم حيث أن مجال الرؤية يكون متساويا تقريبا.


الخاتمة

كانت هذه تجربتي البسيطة مع التصوير بالثقب، وهو ضرب غريب من الفنون خاصة مع التطور المهول في عالم الكاميرات الرقمية والعدسات التابعة لها. لكنه بالنسبة لي يمتلك بعض الجاذبية الغريبة التي لا يمكنني شرحها بالكلمات ببساطة، ولعل ما يجذبني إلى هذا النوع من التصوير هو عنصر المفاجأة وبعضا من الغموض المصاحب له. لقد ترددت كثيرا في كتابة هذه المقالة حول هذا الموضوع وهذا النوع من العدسات (إن صحت تسميتها بذلك) ولكني قررت كتابة المقال على أية حال لعل أحدهم يرى فيها فائدة ما (من بعد تلك التجارب المسلية في الفصول الدراسية!). ويجدر بالذكر بأن هناك شركات أخرى لا تزال تصنع هذا النوع من «العدسات»، ولعل أبرزها شركة (Thingyfy) التي تنتج عدسات ثقب متغيرة القطر، ولكن يبدو بأن ثمن هذا المنتج مبالغ فيه (ولربما ابتعتها يوما ما)!

أرجو أن تكون هذه المقالة ذات فائدة تذكر لعزيزي القارئ وإن كانت هناك أسئلة بخصوص هذا الموضوع فيمكن تركها في التعليقات وسأحاول الرد بأقرب فرصة إن شاء الله. هذا، وحتى نلتقي في مقالة أخرى إن شاء الله…

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق