سأتوقف
في هذه المقالة عن التحدث عن التقنيات
والأساليب، خصوصا تلك المتعلقة بالفوتوشوب،
وسأعود إلى نقطة البداية، إن صح التعبير؛
أي إلى عالم الكاميرا والتصوير نفسه.
ولكن
هذه المرة لن يتعلق الأمر بتقنيات التصوير
أيضا، بل سنتحدث عن التصوير بحد ذاته
كعملية منبثقة من الروح بمساعدة الإحساس
البشري؛ هذا الإحساس الذي يكون قوامه
البصر (وليس
النظر).
غلاف الكتاب المصدر |
يعرّف
مؤلفو الكتاب التصوير التأملي بأنه:
هو
طريقة لرؤية وتصوير العالم بشكل نقي،
وذلك لإظهار الغنى والجمال الذي يكون
عادة مخفيا عن النظر.
فبدلا
من التشديد على أهمية الموضوع أو الجانب
التقني للتصوير، فإن هذا النوع من التصوير
يعلمك على النظر بصفاء، والتقاط الصور
باستقبال (ذهني)
نقي.
[منقول
ومترجم من صفحة المؤلفين.]
كما
نلاحظ، فإن التعريف هنا يميل نوعا ما إلى
الفلسفة وليس إلى التقنيات المعتادة في
التصوير – فهذه الطريقة هي أداة لتجعل
المصور يتصل بالعالم من حوله، وتجعله يرى
ما لا يراه الناس العاديون (أو
المصورون العاديون!).
هذه
الطريقة هي ليست لصنع صور يبتهج برؤيتها
غيرك، بل هي لك أنت لتصنع صورا تعكس عقلك
ورؤيتك؛ بل ويمكنني القول بأنها طريقة
لإرضاء النفس إلى حد ما بعيدا عن النقد.
يشدد
المؤلفان في كتابهما هذا على أن التصوير
التأملي ليس مدرسة بحد ذاته، ولكنه طريقة
لمساعدة المصور على التأمل ورؤية الغير
مرئي للسواد من الناس.
الوعي
والاستبصار
يقوم
المؤلفان بتقسيم الحالة النفسية للرائي
إلى موضوع ما إلى قسمين أساسيين هما:
الوعي
أو الإدراك (Conception)،
والاستبصار (Perception).
لا
يمكن بالطبع شرح الفلسفة المتعلقة بكل
منهما في هذا المجال الضيق (وإلا
لما كان هناك أي داع لكتاب!)،
ولكن الأمر يتعلق بالتخلص من المبادئ
المتعلقة بالمواضيع ورؤية الموضوع على
حقيقته.
مثلا،
يمكنك النظر إلى زهرة ما، وسوف تبدأ
بالتفكير بأفكار معينة مثل:
رائحتها
زكية، من زرعها؟ هي «جميلة».
كل
هذه الأفكار تعتبر نتاج الوعي والإدراك؛
ذلك لأن العقل قد أعطى صفات ومقترحات أو
حتى تساؤلات عن ماهية هذه الزهرة.
يعتقد
مؤلفا الكتاب بأن كل هذه المنطقيات
الموضوعة مسبّـقا عن الموضوع تتداخل مع
حيوية الموضوع والعالم ككل من حولنا –
فعقولنا وأحاسيسنا محدودة العلم وهذا من
البديهيات المسلم بها (لا
أحد يعلم كل شيء).
وعليه،
فمن المنطقي القول بأن هذه المبادئ
المسبّـقة للعالم من حولنا تضيع الفرصة
لاستشعار حقيقته، أو إن صح القول،
لاستبصاره.
على
هذا الأساس علينا التخلص من المبادئ
المرسومة مسبقا عن العالم من حولنا للنظر
في جوهر العالم من حولنا.
من
هذا المنطلق، يقسم المؤلفان مراحل
الاستبصار بالتدريج إلى 3
أركان
أو مراحل:
1. اللحظة.
2.
التبصر.
3. التشكيل (الموازي).
3. التشكيل (الموازي).
اللحظة
وهي
اللحظة التي ينقطع فيها التفكير عن العمل.
عندما
تكون مشغولا بعمل شيء ما، كصنع القهوة
مثلا، تكون في العادة مشغولا في التفكير
بأشياء معينة، إما تلك التي لها علاقة
بالقهوة أو أمور أخرى لها علاقة بالعمل
مثلا.
لكن
هناك قد يظهر في بعض الأحيان انقطاعا في
التفكير (أو
كما يسمى أحيانا بالعامية:
سرحان).
إنها
لحظة صفاء، حيث لا يكون العقل منشغلا بأي
شيء آخر.
هذه
اللحظة بذاتها تعتبر أولى خطوات الاستبصار.
هذه
اللحظات الخاطفة لا يمكن صنعها أوإجبارها
على العقل والنفس، بل إنها تحدث كما هي
من تلقاء نفسها من دون تحكم.
على
أنه يمكننا مع بعض التمارين أن نعمل على
إدراك هذه اللحظات واستيعابها.
التبصر
تعتبر
هذه المرحلة هي الأصعب في عملية الاستبصار.
فبعد
استيعاب اللحظة وخلو الفكر، لن يكون هذا
كافيا لاكتشاف حقيقة ما أمامنا، فعلى
المرء المار بهذه التجربة المحافظة على
هذا التركيز وصفاء الذهن حتى يتشكل الجوهر
أمامه.
هناك
خطآن قد يرتكبهما الرائي بعد إدراك لحظة
الصفاء:
الإثارة،
والتفكير.
كلا
الأمرين قد يبدوان جيدان للوهلة الأولى
ولكنهما سيقتلان لحظة الصفاء هذه، كما
يقول المؤلفان.
فالإثارة،
كما هو معروف، تهيج النفس وقد تأتي بأفكار
تشوش على لحظة الصفاء هذه – فقد تعمل
الإثارة على زرع النسيان في العقل حتى
ينسى المصور ما قد أثاره في المقام الأول.
لهذا،
على المصور ألّا يجمح بانفعالاته وسعادته
بالحصول على لحظة الصفاء هذه، بل يجب عليه
التمسك بالهدوء والتركيز وتقدير هذه
اللحظة.
لا
ضير أن تغيب هذه اللحظة، فسيوجد غيرها في
وقت لاحق، ولكن من المهم أن يتعود المصور
على تمييز هذه اللحظات والتبصر بها مع
الاسترخاء والاستمتاع والتقدير المستحق
للحظات الصفاء هذه.
أما
الخطأ الثاني فهو التفكير؛ والمقصود هنا
هو التفكير التصويري، أي كالتفكير في
الفتحة اللازمة، سرعة الغالق، وما إلى
ذلك من الأمور المتعلقة بالتصوير.
عند
التفكير بهذه الأمور فإن هذا يقطع حبل
صفاء الذهن وعندها يرجع العقل إلى إضفاء
المبادئ إلى العالم المرئي، وهو الشيء
الذي كنا نحاول التخلص منه في المقام
الأول.
وعليه،
فإنه يجب على المصور ألّا يفكر بالتصوير
نهائيا في لحظات كهذه، بل عليه الاستمتاع
بلحظة الصفاء قدر المستطاع.
دع
الموضوع تحت الاستبصار هو ما يحدد التركيب
المناسب للصورة ولا تحاول إرغام العقل
على تحليل المشهد ووضعه تحت تراكيب معينة
– تابع النظر إلى الموضوع بصفاء، من غير
إضافة عناصر أو إنقاصها.
هذه
الأمور تأخذ لحظات معدودة في الطبيعة
ولكن المؤلفان هنا يذكرانها بالتفصيل،
مرحلة تلوالأخرى.
التشكيل
(الموازي)
بعد
تشكيل التبصر والصفاء الذهني، يأتي أخيرا
دور التقاط الصورة، أو عملية تشكيل موازٍ
لما تبصرنا به آنفا.
كل
العمليات الذهنية والتأملية السابقة تتم
دون التفكير بالتصوير والكاميرا.
فقط
عند دمج الذهن والعين وتشكيل المنظور
العقلي للموضوع من دون وضع مبادئ ومعان
لهذه الرؤية وبعد استحكام التبصر، يمكن
الآن التقاط الكاميرا والعمل على تشكيل
مشهد مماثل لما تبادر إلينا عند صفاء
الذهن.
لا
يوجد مواصفات مطلوبة للكاميرا، ولعل في
عالمنا اليوم تعتبر الهواتف النقالة
المزودة بآلات التصوير الحل المثالي لهذا
النوع من التأمل، ولكن يجب أن ندقق أيضا
في المواصفات المطلوبة للصورة.
قد
يكون من المناسب جدا عند استعمال الكاميرات
الحديثة والمتقدمة أن يتم استخدام الأنظمة
الآلية في الكاميرا، وهذا حتى لا ينشغل
المصور في التفكير في الخيارات والضبط
المطلوب لالتقاط الصورة، على أن هذا ليس
شرطا، ولكن يجب مراعاة عدم التفكير الملي
في موضوع التقاط الصورة حتى لا تغيب الصورة
المُتأمـَّـلة عن الذهن وتحل محلها
التعقيدات التقنية الخاصة بالكاميرا.
عند
هذه النقطة من المفترض أن يشكّل المصور
بأقرب شكل ممكن ما قد رآه عند صفاء الذهن
وانقطاع الأفكار.
قد
يفكر المصور أحيانا ببعض الإضافات من
جانبه، فمثلا قد يفكر «ماذا
لو التقطنا الصورة بعدسة كذا وكذا...»،
أو أي أمر آخر؛ في مثل هذه الأمور ينصح
المؤلفان بالابتعاد عن هذا النمط من
التفكير لأنه سوف يعكر صفاء الذهن
واستمراريته، كما أنه سيسلب الروح المعنوية
من تلك الصورة المتكونة نتيجة الصفاء
الذهني.
فيكفي
عند التقاط الصورة التحرك أو التقريب
(إذا
كانت العدسة مقربة)
لتشكيل
الصورة كما هو مطلوب.
وقد
يعمل المصور على تعديل الملف (السالب
الرقمي)
بعد
رفع الصورة على الحاسوب، وهذا أيضا يجب
أن يكون بأقل درجة ممكنة.
العمل
لتمرين
العقل على هذه الحلقات من صفاء الذهن يوجد
هناك عدد من التمارين المخصصة لذلك، أو
من الممكن القول إنها نظام حياتي يمكن
متابعته عند الرغبة في تحقيق هذه الرؤى.
يقترح
المؤلفان بأن يقوم المصور بتعيين مواعيد
محددة لهذه التمارين؛ لمرتين أو ثلاث
مرات أسبوعيا، فإن لم يمكن ذلك، ليكن في
عطلة نهاية الأسبوع على الأقل.
من
المهم أن يصبح الأمر روتينيا وفي أوقات
محددة مسبقا من قِـبَـل المصور بدلا من
أن يكون الأمر عشوائيا في حياة المصور؛
فالعشوائية لا تخدم الممارسة.
وبالطبع
يجب على المصور التأكد من إعدادات الكاميرا
وجاهزيتها قبل الشروع في عمل هذه التمارين.
ينصح
المؤلفان كذلك بالاسترخاء لساعة أو ساعتين
قبل العمل على التأمل، ويجب
الانقطاع عن
العالم الخارجي:
اغلق
الهاتف، لا تتحدث مع شخص ما، لا تستمع إلى
الموسيقى،
بل وحتى لا ترهق عقلك بالتفكير في الأمور
المستقبلية أو بأحلام اليقظة؛
فكل هذه الأمور وما على شاكلتها من الممكن
أن تصنع عازلا ذهنيا بينك وبين البيئة
المحيطة بك وتجعلك غير قادر على التركيز
والتأمل والعمل على تحقيق صفاء الذهن.
قد
تواجهك صعوبات في بادئ الأمر نظرا لعدم
تعود الإنسان
على الوحدة، وقد تشعر بالوحشة للوهلة
الأولى لأنك قد أعتدت التفاعل والحياة
الاجتماعية،
ولكن الأمر سيكون اعتياديا بعد فترة.
بالنسبة
إلى المواقع التي يمكن ممارسة هذا النشاط
فيها فهي ليست محددة، ولكن ينصح المؤلفان
المبتدئين بالابتعاد عن الحدائق وكل
الأماكن التي يمكن وصمها في العادة بـ
«الجميلة»
لأنها
قد تعطي اقتراحات ومنطقيات أو أفكار
مسبّقة للمصور مما قد يؤثر على مسار صفاء
الذهن؛ ولكن على أية حال، لا يهم المكان
الذي من الممكن أن يُمارس فيه هذا النشاط،
حتى لو كان في شارع مزدحم.
قد
يواجه المصور بعض الارتباك بسبب الازدحام
مثلا، ولهذا يلزم الأمر بعض الوقت للتكيف
ومن ثم العمل على تفريغ العقل من الأفكار
وتنمية الصفاء الذهني.
التكاليف
ثم
يذهب المؤلفان إلى وصف بعض البرامج أو
التمارين التي من الممكن اعتبارها
كالتكاليف المدرسية؛ وهي تكاليف للعمل
على زيادة تركيز المصور.
يشدد
المؤلفان كذلك على أن هذه التكاليف إنما
هي تمارين فقط، وليست لاقتراح موضوع
ما يكون جيدا للتصوير.
فعندما
يصبح العقل منفتحا على الجوهر، وتكون
العين قد تآلفت مع العقل، فإن أي موضوع
يدخل في مجال الاستبصار هو موضوع جيد
للتصوير.
نلاحظ
هنا بأن المؤلفان لا يناقشان جماليات
الصورة ورأي الجمهور أو النقاد فيها،
ولكن ببساطة، هو موضوع يخص المصور وذاته.
يقوم
المؤلفان بعدها بتصنيف التكاليف بحسب
نوعها ونمطها، ولكل منها الإجراءات
والاعتبارات المحددة لها، وسنأتي على
ذكرها.
يأتي
هذا التصنيف على هذه
الشاكلة لمساعدة العين والعقل على الاندماج
والتناغم من خلال
تركيز التفكير في نمط معين، وسأحاول وضع بعض الأمثلة التي اعتقد أنا شخصيا إنها تعكس بعض هذه التكاليف - فقد حاولت الحصول على إذن مباشر من المؤلفين لاستخدام بعض الصور من الكتاب ولكن الرد كان بطيئا. بناءً عليه، فإنني أطرح بعض الأعمال التي قمت بها والتي أرى إنها تعكس بعض أنماط هذه التكاليف.
تكليف
اللون
يعتبر
اللون من أقوى السمات الظاهرة في الحياة
اليومية، ولهذا فإن هذا التكليف سيكون
سهل نسبيا.
على
أن اللون على حاله هو أمر لا معنى له –
فالمعنى له دائم مرتبط بغيره، كقولنا
«حائط
أحمر»
مثلا،
أما اللون الأحمر في حد ذاته لا معنى له.
عند
البحث عن الألوان عليك بالبحث البسيط من
غير التعقيدات الأخرى؛ كل ما تبحث عنه
هنا هو «لون»
أو
«ألوان»
من
دون ربط هذه المبادئ بمبادئ أخرى أو ذكريات
مسبقة.
حاول
أن تتجنب المواضيع المتلونة أو الزاخرة
بالألوان لتجنيب العقل التفكير بـ «الأشياء
الزاهية»،
أي أن تحث عقلك على البحث على الأمور
الملونة بحد ذاتها.
يضع
المؤلفان كذلك بعض التوجيهات للمساعدة
في هذه العملية:
افعل:
-
حدد
هدفك واعزم على تصوير «لون».
-
عندما
يثير لون ما انتباهك، دع عقلك يقف.
قف
انت بنفسك، وتأمل لنصف دقيقة لتتعرف على
ما جذب انتباهك، من دون رفع الكاميرا إلى
عينك.
-
تعرف
على ماهية المرئي.
كيف
بدأ التأمل وكيف ينتهي؟ ماذا يشمل وما هو
غير مشمول في المشهد؟ هل المشهد عمودي أم
أفقي؟
-
ارفع
الكاميرا إلى عينك وانظر إلى ما أثار حس
التأمل فيك من خلال الكاميرا (من
خلال العينية أو الشاشة).
اسأل
نفسك، هل هذا هو فعلا ما استوقفك؟
-
لو
كنت تريد التقاط الصورة بنظام
معين فاضبط الخيارات (مع
التركيز أو حدة الصورة طبعا)
والتقط
الصورة.
يمكنك
العمل كذلك بالنظام الآلي في الكاميرا
حتى تقوم الكاميرا بكل عمليات الضبط.
-
الأهم
من هذا كله، الاستمتاع بما تعمل.
وعند
إفلات لحظة التأمل هذه لا داعي للحسرة!
فالالهام
موجود في كل مكان ويحدث في أي حين.
لا
تفعل:
-
في
هذا التكليف، تجنب الأسود والأبيض والرمادي
والبني.
ابحث
عن ألوان أكثر حيوية.
-
لا
تنظر إلى فنون الحائط (أو
ما يسمى بالغرافيتي).
-
لا
تلتقط صورا لكلمات أو حروف أو أعداد.
-
لا
تلتقط صورا للون معين من على البعد، بل
اقترب وتعرف على الشيء الذي أثار انتباهك.
-
لا
تضف ما لم يكن موجودا عند التبصر.
بعد
الانتهاء من التصوير، استمر بالمراقبة
والبحث.
فأحيانا،
لا يصبح النظر تبصرا إلى عند وضع الكاميرا
جانبا!
تكليف
النسيج
ويقصد
هنا بالنسيج، تلك المجموعة المترابطة من
الأشكال أو الأنماط، كالخطوط والدوائر
وما إلى ذلك.
يعتبر
النسيج كاللون؛ لا معنى له بذاته.
وهو
ما يجعله موضوعا جيدا للتحقق والتأمل.
يختلف
هذا التكليف عن تكليف اللون لكون طبيعة
المرئي مختلفة هنا.
ففي
تكليف اللون، تكون مهتما بالبحث عن ألوان
صارخة وحيوية ينتبه لها عقلك ويتوقف
لتأملها.
أما
في البحث عن الأنماط أو الأنسجة هنا، فإن
الأمر مختلف وأقل وضوحا،
ولكنها أعمق وأرق.
عند
المرور بجانب أنماط معينة أو أشكال مختلفة
حاول أن تتوقف وأن تتفهم طبيعة النسيج
التي استوقفتك.
عند
العمل على هذا التكليف، لاحظ كيف تختلف
طبيعة ومظهر النسيج مع اختلاف نوعية
الإضاءة (خصوصا
في الخارج مع اختلاف موقع الشمس في السماء).
من
المهم هنا أن تتجنب البحث عن الأشكال
المطرزة أو المنمقة ويجب أن ينصب جهدك في
البحث على الأنسجة بحد ذاتها من غير اعتبار
للموضوع الحامل لهذه الأنماط.
من
التوجيهات التي يضعها المؤلفان في
هذا التكليف ما هو آت:
-
انسَ
اللون في الوقت الحالي فقط وقم بالتركيز
على الأنماط والأنسجة.
-
امش
ببطء ولا تسرع، وخذ
وقتك في التواصل مع الأنماط والأشكال
المحيطة بك.
-
عند
التقاط صورة ما، دع الجزء الذي لفت انتباهك
فقط هو الصورة، من غير إضافات أو نقصان
(وقد
يتطلب الأمر الاقتراب أو الابتعاد، أو
حتى استعمال العدسة المجهرية مثلا).
-
تخيل
أن عيناك لهما بَنان، وتخيل أنهما تلامسان
النسيج المعني.
دع
إحساسي اللمس والنظر يتأقلمان مع بعضهما
البعض.
جرب
هذه الخطوة من دون الكاميرا.
-
من
التجارب المفيدة في هذا المجال: حاول
التحرك في منزلك وانت مغمض العينين.
جِد
طريقك في هذه البيئة التي اعتدت عليها
وعندما تلامس نسيجا ذو تفاصيل جاذبة لك،
افتح عينيك وانظر إليه، ثم اغمض عينيك
مرة أخرى وتابع استكشاف بيئتك المحيطة.
عادة
ما يخطئ الناس في معرفة الفرق بين الأنسجة
والأنماط الشكلية؛ فعند النظر إلى قطعة
من القماش الملون مثلا، لا تهمنا الأشكال
التي عليه، وإنما النسيج ذاته.
تكليف
البساطة
يأتي
هذا التكليف أحيانا كضرورة من ضرورة
الحياة المعاصرة في الوقت الحالي؛ لماذا؟
إن حياتنا اليوم أصبحت تجري على قدم وساق
ومزدحمة بالأفكار إلى الحد الذي جعل من
حياتنا اليومية عبارة عن سلسلة من
التعقيدات.
الحل
لهذه التعقيدات
هو:
البساطة.
من
مهام هذا التكليف هو البحث في العلاقة
بين التكوين والفضاء،
وستكون المهمة في البحث عن التباين القوي
الحادث بين التكوين والفضاء، حيث أن بروز
التكوين وجاذبيته تأتي بسبب الفضاء المحيط
به.
يقول
المؤلفان بأن الكثير من الطلبة الدارسين
لهذا النوع من التصوير يقومون بتصوير
الأشياء ضد السماء (أي
يجعلون السماء كخلفية للموضوع).
بالرغم
من اندراج هذا النوع من الصور تحت مسمى
«البساطة»
ولكن
الفكرة من هذا التكليف هو الانسجام
مع تجربة البساطة، لا البحث عما هو بسيط.
عند
القيام بهذا التكليف حاول النظر إلى
الأشياء وإلى الفضاء المحيط بها.
تريث
في النظر ولا تسرع وانتقل ببصرك من الأشياء
إلى محيطها.
هذا،
وقد تكون التكوينات مع الفضاء المصاحب
لها إما ثنائية الأبعاد أو ثلاثية الأبعاد
بحسب وجهة النظر ذاتها، فالبساطة لا تعني
دائما أن يكون التكوين ثنائي الأبعاد.
تكليف
الضوء
من
المتعارف عليه بأن الضوء يختلف باختلاف
المواضع والأوقات بشكل عام.
ففي
الخارج، يكون موضع الشمس في السماء مسؤولا
عن طول الظلال وشدتها علاوة على لون الضوء
وحرارته.
وفي
الداخل، يكون نوع المصابيح المستخدمة
المسؤول الأول عن شدة الظلال وحرارة (لون)
الضوء.
في
هذا التكليف، علينا أن نستكشف الأنماط
التي يصنعها الضوء في العالم من حولنا.
في
هذا التكليف نحن لا نبحث عن الأشياء
المضاءة، أو عن الظلال التي تصنعها الأجسام
الموضوعة في طريق شعاع الضوء.
ولكن
نحن بصدد الأنماط والأشكال التي يصنعها
الضوء بحد ذاته.
هذا،
وقد يكون العمل مع الأنماط الناتجة من
أشعة الشمس أيسر من العمل مع الإضاءات
الاصطناعية لكون ضوء الشمس قوي وقادر على
التخلخل في البيئة أكثر من الإضاءات
الداخلية – وهذا لا يمنع من العمل مع هذه
الإضاءات طبعا.
تكليف
المساحات
للوهلة
الأولى، قد يبدو هذا التكليف مشابها
لتكليف البساطة من حيث المضمون؛ فهو يبحث
في العلاقة بين الفضاء أو المساحة والتكوين
المُحتوى فيه.
لكن
في هذا التكليف الأمر مختلف؛ فهنا نحن
نحاول أن نركز على المساحة أو الفضاء من
حولنا، لا على المواضيع فيه.
تتواجد
المساحة في كل مكان:
بين
الأشياء، وحول الأشياء.
ولكن
التبصر بها ليس بالأمر السهل وهذا عائد
للطبيعة البشرية التي اعتادت النظر إلى
الأشياء لا إلى محيطها.
فنحن
دائما ما نقوم بالنظر إلى الأشياء لكون
هذه الأشياء أو التكوينات هي ما تحمل معنى
أو مبدأً أو منطقا ما بالنسبة إلينا –
ونادرا ما ننظر إلى هذه المساحة المحيطة
بهذه التكوينات.
على
أن الفراغ والفضاء قد يثير الرعب في نفوسنا
أحيانا ونتخذه دليلا على الوحشة والوحدة
– ولهذا فالتحدي هنا هو النظر إلى المساحة
وغض الطرف عن التكوينات داخل هذه المساحة،
إضافة إلى صفاء الذهن بعيدا عن المنطقيات
والمبادئ التي كونّاها مسبقا عن الفضاء
والمساحات؛ كل ما هنالك للنظر هو:
مساحة
ما.
حاول
أن تنظر بتأنٍ من حولك بما يقارب 180
درجة
من اليمين إلى اليسار مثلا وكأنك تمسح
المكان من حولك ضوئيا.
قد
تجد للبرهة الأولى بأنه من البديهي أن
تقفز عيناك من موضوع إلى آخر وهذه هي
الطريقة التي اعتاد عقلنا العمل بها:
النظر
إلى الأشياء.
مع
تكرار العملية سوف تتمكن شيئا فشيئا من
التخلص من عقدة التكوين والأشياء والنظر
من خلالهما إلى ذلك الشيء الذي يحوي هذه
التكوينات.
الخاتمة
هذه نبذة فقط عن هذا الكتاب وما يحتويه من معلومات وأساليب للمساعدة على التأمل والتصوير. يأتي هذا الكتاب لمساعدة المصور على الارتقاء إلى مرحلة الفلسفة في التصوير بعد مرحلة النظرة الفنية للتصوير. قطعا لن يساعدك هذا الأمر في خلق صور تجذب كل الناس أو صور تقتنص المراكز الأولى في المسابقات الدولية، ولكن مجال هذا العلم هو أهم من هذا كله؛ فهو يتعلق بك، بشخصك، ببصيرتك.
يوجد
هناك كتب أخرى تتحدث عن هذا المجال من
التصوير ولكنني وجدت هذا الكتاب أفضلها
ومليء بالأمثلة الحية من كل نوع من أنواع
التبصر المذكورة أعلاه.
هذا
وقد اختصرت وتجاهلت الكثير من الأمور
الحيوية، التي قام المؤلفان بالإسهاب
بشرحها، لضيق المساحة.
إن
هذا المجال من التصوير فريد من نوعه كونه
يبعث على التناغم ما بين فلسفة التأمل
وتقنية التصوير الضوئي – والاثنان يكادان
يكونان ضدان لبعضهما البعض؛ ومن الواضح
جدا تأثر المؤلفان بالتعاليم البوذية
وتعاليم الـزّن اليابانية وما إلى ذلك من
الثقافات الآسيوية (وهما
يذكران ذلك تلقائيان في كتابهما).
أختتم
هذه المقالة مع العلم إنني لم أوفِ بحق
هذا المجال تماما، ولكن نظرة بسيطة قد
تؤدي إلى إحداث تغير كبير في فكر القارئ
ونظرته إلى عالم التصوير.
هذا،
وحتى نلتقي في المقالة القادمة إن شاء
الله…
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق