الثلاثاء، 9 ديسمبر 2014

أوغنانور (Aughnanure)…

سوف أخصص مقالة هذا الأسبوع للحديث عن قلعة أوغنانور (Caisleán Achadh na nIúr)، وهي قلعة لها تاريخ يعود إلى القرن السادس عشر. بنيت القلعة على يد عشائر فلاهِرتي (O'Flaherty, Ó Flaithbertaigh)، وقد كانت إحدى أقوى العشائر الغيلية الحاكمة في الغرب الإيرلندي وممن قاوموا المد الإنجليزي بضراوة. بيد أن الحكم آل للإنجليز في آخر الأمر وسقطت هذه القلعة بأيديهم كما هو الحال لباقي المنطقة. جدير بالذكر بأن لفظتي (اوO, Ó) و (ماك Mac, Mc) الشائعة في الأسماء الإيرلندية تعنيان «حفيد» و «ابن» على التوالي.

موقع القلعة بالنسبة إلى السكن. يمثل الخط الأزرق خط السير مشيا على الأقدام.
أنقر للتكبير

 
تبعد القلعة ما يقارب الثلث أو النصف ساعة مشيا من محل إقامتي، حيث يكون الوصول إليها بطريق متفرعة من الطريق الرئيسي (الذي يمر لاحقا بملاعب الغولف). يعني اسم القلعة باللغة الإيرلندية (حقل أشجار الطقسوس) وهي إحدى الأشجار الشائعة في أوروبا، وهناك بالفعل بعض الأشجار في هذه المنطقة وبالأخص في محيط هذه القلعة يعود تاريخها لمئات السنين، إذا لم نقل آلاف السنين. أما القلعة ذاتها فلم يتبقى منها شيء سوى برجين اثنين: صغير (للدفاع، افتراضا) وكبير (يحوي بعض الغرف). بالرغم من صغر المكان إلا أن فرص التصوير متعددة، ولا سيما للمشاهد المستعرضة

 
إحدى الأشجار على الضفة اليسرى قبل الدخول إلى باحة القاعة، وهي من أقدم أشجار الطقسوس في محيط القلعة، ويقال إنها عمرها أكبر من عمر القلعة ذاتها!

 
أتذكر إنني حاولت الذهاب إلى القلعة مرتين. لم أتمكن من الوصول إليها في المرة الأولى بسبب هطول المطر المفاجئ، والذي كان سيكون عقبة لي أثناء عملية تبديل العدسات حتى وإن كان التصوير بمعظمه سيكون في داخل الأبراج على الأرجح. ولكن كان لي خطط بسيطة للتصوير في الخارج كذلك. لذلك لم أجازف بالعمل في جو كهذا وقررت العودة والذهاب في وقت لاحق؛ وهذا ما كان. بداية عند الدخول يجد الزائر نفسه في مساحة خضراء تكاد تخلو من أي عمارة ما عدا البرجين، إلا أن هناك بعض المظاهر المعمارية البسيطة التي تستحق التصوير ولو بشكل تجريدي؛ كالنوافذ والأسطح الخشنة للصخور البانية للأسوار. ولم يتغير الكثير منذ أن زرت المكان قبل 5 سنوات، باستثناء كوني قد تعلمت أكثر، وأصبح لدي عدسات متنوعة عما قبل. كما يوجد هناك منحدر بسيط بجانب هذين البرجين وهو يؤدي إلى الجدول المحيط بالقلعة (والذي كان بمثابة خندق مائي طبيعي يحمي القلعة). ولي تجربة بسيطة هناك كما سنرى لاحقا.

منظر عام لباحة القلعة. يلاحظ وجود منحدر في منتصف الصورة تقريبا ويؤدي يمينا حيث الجدول.

An Taobh Níos Glaise (الجانب المخضر)
بعض التفاصيل التجريدية من سور القلعة.
أنقر للتكبير

البرج الأصغر

أما البرج الأصغر فقد كان مخصصا للدفاع، ولو كانت القلعة كما هي منذ بنائها لكان هذا البرج يقع في إحدى زوايا أسوارها المحيطة بالبرج الكبير (فقد كانت القلعة على ما يبدو محمية بأكثر من سور واحد). بالرغم من صغر حجمه إلا إنه ينقسم إلى قمرتين: علوية وسفلية؛ مع هوة تصل بين القمرتين. كانت تستعمل هذه الهوة ككمين للمهاجمين، حيث يختبئ المدافعون في القمرة العلوية ويرمون بنبالهم من خلال الهوة على المهاجمين متى ما تطلب الأمر ذلك. لعل الهوة هي المعلم الوحيد المثير للاهتمام في هذا البرج (ولا يمكن الوصول إلى القمرة العلوية). بالرغم من خلو المكان من المعالم المعمارية المميزة إلا أنه كان هدفا لمشهد مستعرض لأن الإضاءة بذاتها كانت مثيرة للاهتمام، بالإضافة إلى الهوة في أعلى الغرفة طبعا.

الهوة في سقف القمرة السفلية كما التقطتها عدسة روكينون 8مم عين سمكة.


لحسن حظي بدأ المطر بالهطول عندما شارفت على العمل داخل القمرة السفلية، وانتهى تقريبا عندما شارفت على الانتهاء. كنت قد حاولت التقاط هذا النوع من المشاهد المستعرضة قبل 5 سنوات، ولكنني كنت مبتدئا حينها ولم استطع القيام بالكثير حيال ذلك. أما الآن، فقمت بإنتاج أكثر من منظور لنفس المشهد (ولغيره أكثر من ذلك). كان التحدي قبل 5 سنوات هو صنع مشهد مستعرض في هذا الحيز الصغير، ولكن الآن لم يعد الأمر تحديا على الإطلاق؛ حيث سبق لي أن عملت على صنع مشاهد مستعرضة في أماكن أضيق من هذا بكثير (إلى درجة كادت أن تصيبني برهاب الأماكن المغلقة!). لعل إحدى المصاعب في الوقت الحالي وقت صناعة هذا المشهد هو ضبط الخطوط العمودية لتكون مستقيمة حتى يظهر المشهد قائما وليس مشوها كأنه يقع إلى الخلف أو إلى الأمام. حواف الباب كانت إحدى هذه الخطوط، وفي كثير من الأحيان تتشوه معالم أخرى عند ضبط خط ما في المشهد – أصبح هذا الوضع شائعا بالنسبة لي الآن! استغرق الأمر لإصلاح الخطوط العمودية وقتا ليس بالقصير، وكان علي العمل أحيانا بأجزاء من الدرجة (يتم التحكم بمحاور المنظور عن طريق درجات الزوايا).

An Túr Cosanta (برج الدفاع)
لاحظ النوافذ الدقيقة والتي من المفترض أن تحمي رماة النبال بينما تتيح لهم رمي النبال.

Doinsiún (معتقل)
منظور آخر لنفس المشهد المستعرض مشتق من المنظور الكوكبي مع تغيير زوايا الرؤية.

Medieval Etiquette (أدب وَسَطي)
البرج الأكبر

على ما يبدو فقد كان هذا البرج من أساسيات القلعة، حيث أنه يحتوي على العديد من الغرف: للطعام، وللراحة، وللنوم، بل وحتى للاجتماعات؛ وقد كانت موزعة على الطوابق الثلاث المفتوحة للزائرين. قد كان هناك طوابق أكثر من ذلك إلا أن الطريق إليها كان قد حُجب عن الزائرين. وكما الحال مع البرج الأصغر، فإن معظم حوائطه (إن لم يكن كلها) متشحة بالبياض، والحقيقة لا أعلم إن كان هذا هو اللون الأصلي عند بناء القلعة أم لا. على أية حال، بالرغم من برودة الجو في الخارج إلا أن هذا اللون الأبيض في الداخل مع انكسار الضوء من خلال النوافذ الضيقة كان يضفي شعورا بالدفء لدى الزائرين – أما بالنسبة لي فلم أكن بحاجة إليه بسبب حملي لأدواتي الثقيلة على ظهري في تلك الممرات الضيقة حتى أصبح الجو كأنه صيف استوائي

fan muid an solas (ننتظر النور)

 
جدير بالذكر هنا هو السلالم اللولبية والتي قد صممت خصيصا بهذا الشكل للدفاع عن القلعة في حالة ما إذا تم الهجوم عليها من الداخل. تكون عادة السلالم لولبية صاعدة باتجاه اليمين، وذلك لإتاحة بعض الحرية لحركة اليد الحاملة للسيف للواقف على السلالم (وهو متجه للأسفل) بينما سيكون الأمر صعبا على المهاجم أسفل الدرج حيث أن يده اليمنى لن تكون حرة تماما بسبب الحائط. بالطبع فإن الأمر برمته قد تم تصميمه لمستخدمي اليد اليمنى، ولكن يُحكى أن هناك قلعة ما في مرتفعات أسكتلندا قد تم تصميمها بالعكس تماما، حيث أنها تتبع لإحدى العشائر المعروفة بالعُسر (أي أن أغلب أفرادها يستخدمون اليد اليسرى).

مقطع من السلالم اللولبية داخل البرج الأكبر من القلعة. لا يتعدى عرض المسلك المتر الواحد.

كانت جُل الغرف خالية سوى من بعض اللوحات التعليمية والتي كانت الدليل الوحيد على هوية الغرفة وفيما كانت تستخدم. لكن الغرفة (أو الصالة) التي كانت جديرة بالاهتمام بحق هي الأخيرة، والشيء المثير للاهتمام فيها هو السقف الخشبي والمليء بالأوتاد. علاوة على ذلك، فإن الشرفة الداخلية لهذه الغرفة مثيرة للاهتمام كذلك وهي فريدة من نوعها، وعلى ما يبدو فقد كانت هذه قاعة الاجتماعات واستخدمت هذه الشرفة للوقوف والخطبة في الجمع في الأسفل. لهذا، فإن هذه القاعة قد كانت هدفا لمشهد مستعرض.

القاعة الأخيرة في البرج مع الشرفة في داخلها. أفادت تقنية النطاق العالي هنا كثيرا لتوضيح معالم السقف بشكل جيد.

للأسف من المشاكل التي لا يمكن إصلاحها هنا هو وجود الكبينة في منتصف القاعة والتي تحوي بعض المعلومات عن القاعة وأمور أخرى. بالطبع لا يمكن إزاحتها ولهذا فقد كان لزاما علي أن أعمل بجانبها وهذا ما جعلني بعيدا عن مركز القاعة. على أن الأمر لم يكن سيئا كثيرا، فالتفاصيل المهمة لا تزال موجودة على الأقل.

طريق النزول من البرج الأكبر. وسيلة المساعدة الوحيدة المتوفرة هي الحبل المثبت بالحائط!
بعد الانتهاء من العمل داخل هذا البرج ابتدأ العمل الدؤوب للنزول إلى الأرض عن طريق هذه السلالم الوعرة والخطرة! قد يكون الأمر سهلا نوعا ما للفرد العادي، ولكن الأمر متعب حقا مع كل هذه الأدوات وقد يستغرق الأمر دقائق معدودة. بعد النزول إلى الساحة مرة أخرى تم التقاط المشهد المستعرض الأخير للبرجين (الظاهر أعلاه). في هذا المشهد المستعرض بالذات قررت التحكم بمستويات الإضاءة عن طريق الفوتوشوب في محاولة لإظهار قرص الشمس بشكل غير اعتيادي، حيث أن برنامج الفوتوماتكس المعروف في مجال صنع الصور ذات النطاق العالي لم يكن ليوفر هذا الكم من التحكم بعناصر الصورة. بعد هذا المشهد نزلت إلى الجدول في محاولة لالتقاط صورة باستخدام مرشح الأشعة تحت الحمراء

صورة بمرشح الأشعة تحت الحمراء عند الجدول وقد استغرقت ما يقارب 13 دقيقة. هناك بعض الضبابية أو النعومة في الصورة بسبب تحريك الريح للأغصان والأوراق.
 

لم يعجبني تركيب الصورة وعناصرها ولكنها قد تكون توثيقا للمكان في النهاية. لقد كانت فرصة جيدة للاسترخاء وإراحة ظهري ريثما ينتهي التعريض والذي استغرق ما يناهز 13 دقيقة. تتفاوت مرشحات الأشعة تحت الحمراء بدرجة سماحها للضوء المرئي بالعبور، ولهذا كنت أفضل استخدام مرشح كوداك والذي يناسب عدسة كانون 15مم عين سمكة، والمزودة بفتحة مخصصة لهذا النوع من المرشحات في الخلف. أما المرشح القرصي للأشعة تحت الحمراء المتوفر لدي فإنه يسمح بمرور الكثير من الطيف المرئي ولهذا فإن الصور الملتقطة بهذا المرشح بالذات قد لا تكون مختلفة كثيرا عن الصور العادية الملتقطة من دون المرشح*. بالطبع في كلتي الحالتين فإن التعريض سيكون مطولا نسبيا، ولكنه على أشده عند استخدام مرشح كوداك (عند حساسية 100). للعمل بشكل طبيعي مع الأشعة تحت الحمراء يتعين أن تكون الكاميرا معدلة ومعدة لهذا الغرض عن طريق تعديل المستشعر فيها، وعند فعل هذا فلن يكون بالإمكان العمل مع الكاميرا كما في السابق ولن يمكن إعادتها كما كانت. لهذا فإن هذا التعديل أمر مستبعد بالنسبة لي.

Cailte idir Dealga (ضائع بين الشوك)
صورة تجريدية في طريق العودة إلى السكن من قادما من القلعة.

go dtí Achadh na nIúr (إلى أوغنانور)
أنقر للتكبير

في طريق العودة من القلعة سنحت لي الفرصة بالتقاط بعض الصور في الطريق، تجريدية كانت أو توثيقية. وكذلك سنحت لي الفرصة بالتقاط صورة بمرشح الأشعة تحت الحمراء أخيرة، ولكن هذه المرة قد داهمني المطر واضطررت لتغطية الكاميرا بشكل خفيف حتى يكتمل التعريض، علاوة على مرور بعض السيارات أمامي، ولحسن حظي فإنها لم تترك أثرا واضحا في الصورة النهائية نظرا لطول التعريض

* يحجب مرشح كوداك الطيف المرئي إلى حد 900 نانومتر من الأطوال الموجية، ولهذا فإنه يكون أشد عتمة للعين. أما المرشح القرصي (من انتاج B+W) فإنه يحجب الطيف المرئي إلى حد 650 نانومتر فقط. النانومتر هو وحدة قياس الأطوال الموجية الاعتيادية ويعادل جزء من ألف مليون من المتر (000‘000‘000‘1/1).
 

Te sa Fuar (دفء في البرد)
الخاتمة

أتمنى أن تكون هذه المقالة البسيطة مفيدة لعزيزي القارئ. للأسف الشديد لم أتمكن من زيارة هذه القلعة سوى مرة واحدة، بعكس المرة الماضية قبل 5 سنوات حيث كنت قد زرتها أكثر من 3 مرات أثناء فترة إقامتي هناك لمدة أسبوعين تقريبا، وذلك لأن بمجرد العودة إلى السكن كانت تنتج أفكار جديدة وكان علي اختبارها في الموقع وهكذا كان علي الذهاب مرة أخرى. من الأمور التي كنت أود القيام بها هو التقاط صورة عامة للمنطقة من فوق البرج، ولكن هذا غير ممكن للأسف حيث أن هذه المنطقة مغلقة أمام الزوار. حسبي ما التقطته هذه المرة، ولا أعلم إن كان سيكون لي زيارة أخرى إلى هناك. هذا، وحتى نلتقي في مقالة أخرى إن شاء الله…

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق